عام كامل مَرَّ على قائد الانقلاب متمسكٌ بزمام السلطة في مصر بعد الانتخابات الشكلية التي انتهت بفوز متوقع لجنرال جيش "كامب ديفيد" بعد الإطاحة بأول رئيس منتخب الدكتور"محمد مرسي" في 3من يونيو 2013،ولا تزال الأوضاع متدهورة إقتصاديًا وأمنيًا بل ازدادت في تدهورها بشكل لا يدركه عقل وذلك على الرغم من كل الدعم المالي والسياسي الخليجي الذي تلقّاه "قائد الانقلاب". ومع تلاشي الأمل عند المصريين في تحسين الأوضاع أو حتى العيش بكرامة برغم من محاولات فضائيات وصحف الانقلاب إيهامه بها، ومن الواضح أن التحالف الانقلابي الذي ظهر به "السيسي" بدأ في التفكك وربما تفكك حقًا ،حيث تتصاعد الأصوات المعارضة وتتنامى بشكل سريع جدًا، وذلك بسبب فشل الانقلاب في كل المشروعات التي حاول الترويج لها ولن ينسى المصريون أبدًا جهاز"الكفتة" الذي خرج به الجيش وقال أنه يشفي من كل الفيروسات والإيدز وحتي "الصدفية".!! وبدأت تطفو في الآونة الأخيرة مؤشرات أولية على وجود صراع فعلي بين أجنحة النظام ومراكز القوى الأكثر تأثيرًا فيه، والواضح أنّ اعتقادًا أخذ يترسخ داخل المؤسسة العسكرية بأنّ الجيش الذي تحوّل إلى قوة أمن محلية، ليس بمقدوره أن يلبي متطلبات الإمساك بالسلطة، كما ليس بمقدوره أن يكون مسؤولًا عن أي حالة فوضى اجتماعية قد تقع نتيجة تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية، في ظل مخاوف من زحف الفوضى الأمنية من سيناء في اتجاه مدن غرب القناة. ويعكس تسريب تسجيلات متعددة للجنرال السيسي وجود انقسام ما زال طور النضوج داخل المؤسسة “العسكرية-الأمنية”، ويتوقع له أن يتنامى خلال الفترة القادمة مع تفاقم الأزمات التي يتعين على النظام مواجهتها. كما أنه من الواضح أنّ تجذّر الموقف المعادي لقوى 25 يناير داخل نظام السيسي يقود بالضرورة إلى الاستعانة بنخب مرحلة مبارك. وهذه النخب لديها مطالب متعلقة بحصتها من النظام كما يعبّر عنها اللواء أحمد شفيق؛ ما يثير قلق الأوساط العسكرية التي تخشى على مصير احتكارها صنع القرار. أما الحركات السياسية التي قادت مظاهرات 30 من يونيو عام 2013، ودعمت انقلاب الثالث من يوليو، ومثّلت قاعدة دعمه الأكبر شعبيًا، فقد اختفت من المشهد تقريبًا، بعد أن انفضت جماهيرها عنها. فحركة "تمرد" مثلًا، والتي كانت تطمح إلى استثمار جهودها في إطاحة الرئيس مرسي لتشكيل حزب سياسي كبير، تداعت تحت وطأة انشقاقاتها المتعاقبة. وكان من اللافت خلال الفترة الماضية تركيز وسائل إعلام النظام على أزمات الحركة وانقساماتها، ما يؤشّر على تخل عنها بعدما أدت دورها في إطاحة الرئيس المنتخب. في المقابل، عادت القوى المدنية والليبرالية، والتي أقصيت مبكرًا من تحالف 30 يونيو، وبعد أن لاذت طويلًا بالصمت، إلى توجيه الانتقادات العلنية للنظام، وبصورة حادة، كما جاء في تصريحات الدكتور محمد البرادعي حول أسباب خروجه من المشهد السياسي بعد وقت قصير من انقلاب يوليو 2013. وبدأت تطفوا على السطح خلافات بين النظام وداعميه من رجال الأعمال ممن أدوا دورًا بارزًا في الإطاحة بالمسار الديمقراطي، وكافأهم النظام على ذلك بطرق مختلفة، إذ بدأ إعلام السلطة يكيل الاتهامات لبعض رموز هذه الفئة من رجال الأعمال، ما استدعى ردودًا حادة من بعضهم. ولأنّ مصلحة النظام الحاكم حاليًا في مصر ترتكز على تقوية إمبراطورية الجيش الاقتصادية الصناعية العقارية، ما يتطلب قيام رجال الأعمال بدور متعهدي مشاريع أو شركاء صغار عند الجيش؛ فإنّ النظام يستمر من جهة أخرى في الحديث عن دور رجال الأعمال الحيوي في مشروع “النهضة” الاقتصادية الموعودة. وأيًا كانت الصراعات والتسويات التي يتمّ التوصل إليها بين الضباط ورجال الأعمال في تقاسم الكعكة الاقتصادية؛ فإنها في الحصيلة تفتئت على حقوق العمال، وتكون على حساب الطبقات الأكثر فقرًا في المجتمع. ويمكن لأي أحد أن يلاحظ السخط الشعبي الكبير على حكومة الانقلاب وقائدها، مع اتضاح عجز الحكومة عن إنجاز وعودها بتحقيق الاستقرار الاقتصادي، واستمرار تردي الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار، ترافقه الظواهر ذاتها التي استخدمت في تعميق أزمة نظام مرسي في شهور حكمه الأخيرة، كانقطاع الكهرباء وطوابير الانتظار في محطات الوقود، وغيرها. كما تزايدت الانتقادات الموجهة إلى برنامج الانقاذ الاقتصادي الذي زعمت الحكومة تطبيقه، ووصلت حدود السخرية بعد أن جرى وصف أكثر مشروعات البرنامج "بالعملاقة"وإحالتها نتيجة لذلك إلى القوات المسلحة بصفتها جهة تخطيط وإدارة، إذ عد كثير من الخبراء هذه المشروعات ذات تكلفة عالية ومردود اقتصادي ضعيف، فضلًا عن أنّ الشروع في تنفيذها يعتمد كليًا على توافر الدعم الخارجي. ولم يعد شعار "الحرب على الإرهاب"، الذي طالما ردده "السيسي" في كل خطاباته الداخلية وحتى الخارجية، يحقق الغرض منه، بعد أن طالت ممارسات القمع السياسيين المعارضين والناشطين والحقوقيين من خارج التيار الإسلامي، وانطوى أكثرها على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. كما لم تعد محاولات تعظيم صورة الخطر الإخواني، والتعلل به لتبرير الاخفاقات الاقتصادية، تجدي نفعًا في التغطية على ضعف الأداء الحكومي، ووقوع كوارث بسبب سوء الإدارة والفساد. فتزايدت الانتقادات الموجّهة لإعلام النظام في ظل استياء عام من أجواء كبت الحريات، وبرزت أصوات، بعضها محسوبة على النظام، تنتقد الاستراتيجية الدعائية التي يتبناها هذا الإعلام، وتنذر بمحدودية جدوى توحيد الصوت الإعلامي في صورة إعلام موجّه، مهمته الرئيسة العمل على صناعة صورة الزعيم الأوحد. كذلك استأثرت ممارسات القمع الإعلامي والمصادرة والمنع والملاحقة القضائية للإعلاميين المستقلين والمعارضين بحصة كبيرة من النقد. وفي المقابل بدأ يتنامي عند الكثير من السياسسيين الإحساس بعجز السلطة عن تشكيل مجال سياسي جديد،بفعل المراوغة في إنجاز الاستحقاقات الانتخابية، والاستمرار في الهيمنة على أعمال التشريع والقضاء، وتوجيه أحكامه، وقمع الأصوات الناقدة في داخله. وفي هذا الإطار يأتي موضوع تأجيل الانتخابات البرلمانية كواحدة من القضايا التي تشير إلى نيات النظام في تثبيت سلطة الفرد المطلقة، وتربك المشهد الحزبي الراهن. وعلى الصعيد الدولي، بات انحسار الدعم المالي"الخليجي" منه على وجه الخصوص لأسباب مختلفة، منها انخفاض أسعار النفط، يهدد برنامج الحكومة بشقيه السياسي والاقتصادي. ومع تقلص الدعم الخليجي والسعودي على وجه الخصوص بدأت الأصوات الخليجية التي كانت داعمة تقليديًا ل"لسيسي" منذ صعوده، في الإيحاء بأنّ نظامه لا ثقة فيه، على خلفية التسريبات المنسوبة للسيسي نفسه، والتي تناقلتها وسائل الإعلام، وأثارت غضب الحلفاء الخليجيين من النظام، وزادها سوءًا التباس الموقف المصري من التحالف الذي تقوده السعودية في "عملية عاصفة الحزم"في اليمن، والتي تستهدف قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحركة "أنصار الله" الحوثية. ويرجّح البعض أنّ مرجع هذا الخلاف هو رغبة سعودية في دعم المكونات الحزبية المحلية في اليمن التي لها ارتباط فكري أو تنظيمي بالإخوان المسلمين، وسعيها لتسليحها. يرتبط بذلك ما يتسرب عن وجود خلافات مكتومة بين السعودية ونظام السيسي، حيال جملة من القضايا الإقليمية تمتد من سوريا إلى ليبيا، مرورًا بالعلاقة مع تركيا، وصولًا إلى تحرر السعودية من الالتزام بالموقف المصري من الإخوان خارج مصر. ومازالت تتصاعد الانتقادات الدولية على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان والقمع الواسع الذي يمارسه النظام، في وقت تتضاءل فيه قيمة ادعاءاته بأنه قوة يعتمد عليها في التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، في ظل الإخفاقات التي يواجهها في سيناء، جراء هجمات لتنظيم الدولة الإسلامية وجماعات إسلامية مسلحة على طرق ومقار أمنية ومعسكرات للجيش. كما تشير الإخفاقات المتوالية في إدارة ملفات السياسة الخارجية الرئيسة، وأهمها ملف سد النهضة، إلى مدى الترهل الذي أصاب أداء النظام، وبما يقوّض مكانة مصر الإقليمية والدولية، ويحدّ من الدعم الدولي لها. ونتيجة الإخفاق السياسي ل"الانقلاب"على مختلف الصُّعُد، بدأت ترتفع أصوات تطالب بالتغيير. وبدأ النظام يشعر بالضغوط الممارسة عليه داخليًا وخارجيًا، وأخذ يحاول "زاعمًا" احتواءها عبر السعي إلى إعادة إنتاج مجال سياسي مضبوط، بطرح وعود جديدة أو إعطاء إشارات في اتجاه تبنّي مقاربات مختلفة على الصعيد السياسي تحديدًا. أمّا اقتصاديًا، فسوف يسعى النظام إلى تأمين مزيد من الدعم العربي والدولي بما هو ركيزة للاستقرار، وعضو في نادي الحرب على الإرهاب. لكن عماد استمرار النظام سوف يبقى على الدوام مرتبطًا أولًا، بتوق الناس إلى الاستقرار بعد سنوات من الاضطراب. وثانيًا، بضعف قوى المعارضة التي لم تمثّل تحديًا سياسيًا حقيقيًا لتوجهات النظام، ومقارباته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن الواضح أنّ تأكيد دعم الشرعية لم يعد رسالة سياسية كافية، فالانقلاب أصبح نظام حكم قائم، ومعارضته تتطلب طرح بديل يراعي الظروف الجديدة. أمّا انعدام قدرة المعارضة على حشد الجماهير فنابع من السبب الأول المتعلق بتوق الناس إلى الاستقرار، والذي نراه مؤقتًا، فسياسة النظام نفسها تتحول بالتدريج إلى أهم عامل من عوامل عدم الاستقرار.