"الانقلاب يترنح" تلك العبارة التي سيطرت على المشهد بالتزامن مع الساعات الأولى للانقلاب العسكري الفاشي في يوليو 2013، وتعامل معها الثوار كعقيدة تحركهم وتشحن بطاريات الحراك في ميدان وشوارع وجامعات الوطن، فيما سخر منها لاعقو البيادة ولاكتها ألسنتهم باعتباره شعارا مستهلكا لا وجود له على أرض الواقع، وتحاشى المحللون الاقتراب منه مفضلين تفنيد الواقع بعيدا عن تأثيره المباشر على سقوط النظام العسكري أو ترسيخ أركانه. إلا أن واقع الأحداث ومجريات الأمور على مدار عام من الفشل تحت سيطرة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الانقلاب يترنح بشدة، وأن التغيرات الداخلية والاقليمية والدولية تنذر بسقوط عاجل للحكم الفاشي وأن ملامح صعود الثورة المصرية باتت تلوح فى الأفق المنظور. 10 حقائق تدعم بقوة –ودون مواربة- بعد مرور عام من حكم السيسي عقيدة "الانقلاب يترنح"، وترد على سخرية عبيد العسكر ومنتفعي الدولة العميقة ومُنظّري الثورة المضادة بالخناق الذي يشتد يوما بعد يوم على عنق الجنرالات ويعجل برحيل دولة الفاشية. انقلاب السعودية: عمل رحيل العاهل عبد الله على خلط الأوراق مع العسكر وضرب حالة التقارب في مقتل القائمة على متلازمة "الرز مقابل وأد الإسلام السياسي"، في ظل سياسة المملكة تحت حكم الملك الجديد سلمان، والذي لم يتردد في مواصلة الدعم المادي للاقتصاد المصري المنهار في الوقت الذي رفض فيه السير على خطا سابقه في التعامل مع التيارات الإسلامية فضلا عن الملفات العربية العالقة. واعتمد سلمان سياسة حازمة في التعامل مع الشأن "السيساوي" فأطاح بكافة رجال الملك الراحل وثيقة الصلة بالعسكر في مصر، ورفض الابتزاز الانقلاب باللعب على وتر التقارب مع إيران وروسيا من أجل ضخ مزيد من "الرز"، وتبني مواقف جديدة في مواجهة الأحداث المتوترة في اليمن وسوريا وليبيا والعراق. الانقلاب السعودي على السيسي كان بمثابة ضربة موجعة للعسكر لازال يحاول تجاوزها والتعاطي معها عبر تقديم مزيد من التنازلات لإرضاء النظام الجديد، غير أن ملفات شائعة على رأسها الموقف الانقلابي المتراخي من عاصفة الحزم، والموقف المتنافر بين البلدين في التعامل مع الأزمات في سوريا وليبيا، واستياء الرياض من التقارب المصري الروسي، مع التقارب الواضح بين أمير قطر والملك السعودي من جانب والرئيس التركي أردوغان من جانب آخر، كلها أمور كشف عورة الانقلاب وحرمته من الظهير الأكبر للبقاء على قيد الحياة. تلاعب الإمارات: تلعب الإمارات دور شرطي الانقلابات في الوطن العربي وتحاول أن تجر المنطقة بآسرها إلى الفوضي تنفيذا لأجندات خارجية يجيد بن زياد ورفاقه العمل عليها، فضلا عن حالة العداء الواضح لكل ما هو إسلامي، وكلها عوامل أجبرت أبوظبي على تقديم لا محدود للانقلاب العسكري وجعلها الركيزة الأهم التي يستند عليها الجنرالات. إلا أن توالي الأزمات التي طرأت على شهر العسل بين القاهرةوأبوظبي، وشعور الجانب الإماراتي بارتفاع كلفة انعاش الانقلاب في ظل المحصلة الصفرية، فرضت حالة من التوتر على العلاقات بين الجانبين ودفعت الجنرالات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل رأب الصدع، خاصة وأن خسارة الحليف الإماراتي يعجل بسقوط دولة العسكر. وأثرت تحركات "شفيق" في منفاه بالبلد الخليجي على العلاقات بين العسكر وبن زايد، في ظل ضبابية المشهد بين تكهنات بعمل الفريق دون علم أبوظبي ومخاوف الانقلاب من دعم الإمارات للمرشح الرئاسي السابق وتجهيزه كبديل محتمل، فيما لازالت الخلافات قائمة بين الطرفين لمحاولات إيجاد أرضية مشتركة لمشاورات "مصرية- إماراتية"، تستهدف إقناع أبوظبي بالتخلي عما تعتبره القاهرة تحفظا إماراتيا على مشاركة مصر في رئاسة اللجنة الدولية لمكافحة داعش، والتي ترأسها حاليا إلى جانب "الإمارات" بريطانيا وأمريكا. صفعة ألمانيا: ما بين رفض لامرت وصرخة فجر العادلي، خرج الانقلاب خاسرا في الزيارة الألمانية بكافة الحسابات والمعطيات؛ حيث عانى السيسي الأمرين في البلد الأوروبي بدءا من حالة الرفض الشعبي والحزبي لاستقبال من تلطخت يداه بدماء المصريين، والضغوط التي واجهتها ميركل من أجل تجاوز الانتقادات التي واجهتها على خلفية استقبال قائد الانقلاب، والمسيرات التي جابت شوراع برلين وسائر المدن الألمانية اعتراضا على ممارسات النظام الشمولي القمعي. وأكد الصفعة الألمانية على تلك الحالة الكاشفة من الاستياء تجاه النظام الانقلابي والغضب المعلن من انتهاكات العسكر بحق الشعب، وهو ما أكده بيان البرلمان الألماني الكاشف لعورات الجنرال، ورفض رئيس البوندستاج لامرت مقابلة السيسي على خلفية الممارسات القمعية لمليشيات العسكر وأحكام الإعدام الجائرة بحق المعارضين للنظام، وعدم تواجد مسئول ألماني في استقباله بالمطار؛ حيث غابت عن المشهد ميركل والرئيس الألماني يواخيم جاوك، وأخيرا تصريحات وزير المستشارية الألمانية في لقاء متلفز بحضور الناشطة فجر العادلي التي صرخت في وجه السيسي بالمؤتمر الصحفي "أنت قاتل"، والتي أكد خلالها رفض بلاده التعامل مع الأنظمة القمعية الشمولية التي لازالت تلك لأحكام الإعدام، إلا أن الحرب على الإرهاب دافعا لمثل تلك اللقاءات. عتاب واشنطن: منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، أصدرت تقريرًا بالتزامن مع مرور عام على اغتصاب قائد الانقلاب العسكري للسلطة، وأكدت فيه ارتكاب عبدالفتاح السيسي وحكومته انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، كما أدانت صمت الولاياتالمتحدة عن تلك الجرائم. وطالبت "رايتس ووتش" -في بيانها الذي جاء تحت عنوان "عام من الانتهاكات تحت حكم السيسي"- الولاياتالمتحدة والحكومات الأوروبية إلى ضرورة وقف التغاضي عن انتهاكات حكومة الانقلاب، مؤكدة أن السيسي "أشرف على الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان منذ توليه مهام منصبه قبل عام. ودعت المنظمة، حكومات الولاياتالمتحدة وأوروبا أن تكف عن التغاضي عن انتهاكات الحكومة المصرية، بما فيها غياب المحاسبة على مقتل المتظاهرين بأيدي قوات الأمن، وعمليات الاحتجاز الجماعي، والمحاكمات العسكرية للمدنيين، والمئات من أحكام الإعدام، والإجلاء القسري لآلاف العائلات في شبه جزيرة سيناء". التقارير الحقوقية تزامنت مع تقرير رسمي أعده البيت الأبيض وسلمه للكونجرس في صمت بعيدا عن الأضواء في النصف الأول من مايو الماضي، جاء فيه التأكيد على استياء إدارة أوباما من ممارسات الانقلاب، معتبرا أن "مصر تبتعد عن الديمقراطية، وتخنق حرية التعبير، وتعتقل الآلاف من المعارضين السياسيين، وتفشل في متابعة القوى الأمنية المتورطة في ممارسة القتل العشوائي وبشكل خارج عن القانون"، وهو ما دفع خارجية الانقلاب للاحتجاج رسميا لدى الجانب الأمريكي خشية خسارة الدعم العسكري الذي لم يتوقف. انهيار الاقتصاد: أظهرت بيانات وزارة المالية في عام من حكم السيسي بلوغ العجز الكلي في الموازنة في العام المالي الحالي 2014/ 2015، نحو 231 مليار جنيه، بمتوسط شهري 23 مليار جنيه، وهو ما يشير إلى توقع بلوغ العجز، كما سجل ميزان المعاملات التجارية وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري عجزًا بلغ 64 مليار جنيه في تسعة أشهر من حكم السيسي، مقارنة مع عجز قدره 543.1 مليون دولار في الفترة المقابلة من السنة المالية السابقة. وكشفت الهيئة العامة المصرية للرقابة على الصادرات والواردات، إن إجمالي الصادرات غير البترولية خلال الربع الثالث من العام المالي الحالي بلغ 34.5 مليار جنيه، بانخفاض بلغت نسبته 16.2% ، فيما أظهرت بيانات للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي أن صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر تراجع بنحو 45.9%، لتبلغ خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي نحو 960 مليون دولار. وأشارت بيانات البنك المركزي إلى بلوغ صافي الأصول الأجنبية (أرصدة العملات الأجنبية)، لدى الجهاز المصرفي، بنهاية مارس الماضي، إلى ما يعادل 66.5 مليار جنيه، مقابل ما يعادل 119.9 مليار بنهاية أغسطس الماضي، رغم ورود 23 مليار دولار من دول الخليج خلال تلك الفترة، وانخفضت قيمة الجنيه المصري بنحو 7% مقابل الدولار في السوق الرسمية. وأظهرت بيانات البنك المركزي صعود الدين العام إلى 1.9 تريليون جنيه في نهاية سبتمبر الماضي، مقابل 1.7 تريليون جنيه بنهاية الفترة المقابلة من 2013، بزيادة 200 مليار جنيه، ما يكشف حجم الفشل الذريع الذي يسيطر على العصابة الحاكمة التي تفرغت لملاحقة الثوار على حساب الاقتصاد المريض واهتمت برفاهية "الكلاب" على جثة الوطن. جدل البرلمان: خارطة الطريق المزعومة واحدة من أكاذيب العسكر والتي تلاعب فيها بجميع من مر على أكتافهم إلى السلطة، بعدما استغل الانقلاب تلك النخب الديكورية من أجل صياغة دستور يرسخ دولة البيادة ويزيد من صلاحيات الجنرالات ويمنح حصانة لأصحاب الكاب، قبل أن يقرر تعديل تلك الوثيقة الخرقاء من أجل تقديم انتخابات الرئاسة على الانتخابات البرلمانية من أجل الانفراد بجميع السلطات والسيطرة على كافة الخيوط في يديه. ولا يخفى على مراقب حجم المعوقات التي تضعها حكومة محلب في سبيل عرقلة إجراء الانتخابات البرلمانية وتأجيلها في 4 مناسبات لأسباب وهمية، مع سن تشريعات غير دستورية شهدت اعتراض جميع الأحزاب الكرتونية من أجل ضمان مرور برلمان ضعيف دون أغلبية وعبر تحالف مخابراتي يأتمر بأمر قائد الانقلاب. ويسعى العسكر إلى إقامة برلمان على أساس تشريع غير دستوري، بحيث يضمن هدمه على رؤوس من فيه بقرار من المحكمة يقضي بعدم الدستورية وإعادة الانتخابات على غرار ما حدث في 2012، من أجل ضمان ولاء البرلمان المقبل وتكرار تجارب برلمان فتحي سرور وزكريا عزمي وأحمد عز، وهو الأمر الذى خلق تحالفات من رجال الدولة العميقة ورجال الأعمال من أجل التخلي عن قائد الانقلاب بحثا عن بديل يضمن مصالحهم ويسمح لهم بالشراكة فى السلطة. حملة شفيق: أزمة "شفيق – السيسي" تفاقمت مثل كرة الثلج فى الأيام الأخيرة الماضية، وخرج النقاش حولها من داخل الغرف المغلقة بمجرد تحرك عدد من أنصار الفريق الهارب فى منفاه الاختياري بدولة الإمارات، لتلطيخ جدران العاصمة بملصقات وبوسترات "شفيق رئيسًا للجمهورية" وهى التحركات التى أزعجت عسكر الانقلاب فى ظل ضلوع عناصر مخابراتية وعسكرية فى حملة الفريق من أجل الإطاحة بالحاكم المستبد. وكشفت صحيفة "الشروق" الانقلابية أن رئيس أحد الأجهزة السيادية زار أبوظبى قبل أيام للبحث والتنسيق فى ملفات عديدة، منها إقناع مسئولى الإمارات بالحد مما تعتبره القاهرة تحركات غير مقبولة من جانب المرشح الرئاسى الخاسر، غير أن الظهور المفاجئ لشفيق وتحرك أنصاره وسط دعوات متلاحقة ومتطردة حول انتخابات رئاسية مبكرة تعد مؤشرات قاطعة على حالة الشقاق التى تمزق صف الانقلاب وتؤكد أن السقوط قادم لا محالة. ضربات الإعلام: توترت العلاقة بشكل متنامي بين قائد الانقلاب وبعض الأذرع الإعلامية، وان اقتصرت الانتقادات ا على ضعف الإنجاز الاقتصادي العام، وسوء مستوى بعض الوزارات والوزراء، وعدم إجراء انتخابات برلمانية حتى الآن، مع الإسهاب في تحميل الوزراء ورئيس الحكومة إبراهيم محلب الجزء الأكبر من المسؤولية، إلا أن وضع السيسي في جملة انتقادية أو عنوان يحرض على محاسبته، أمر بدا مستغرباً، ما دفع للتساؤل عما طرأ على علاقة السيسي بإعلامييه. ضربات الإعلام فى عصابة السيسي وإن كانت بوازع أمني أو عبر تغير أجندات رجال الأعمال أو حتى بتوجيهات من مكتب عباس كامل فى محاولة لإظهار نوع من المعارضة أو الانتقادات للنظام، إلا أنها خلقت حالة من البلبة لدي قطاع كبير من لاعقي البيادة، خاصة مع ما يلمسه الشعب يوميا من تراجع حاد فى كافة مناحي الحياة والذى كان يعمل الإعلام على التعتيم عليه أو تبريره، وهو ما يؤكد اتساع هوة الخلاف بين شركاء الانقلاب ضمن خلافات على اقتسام كعكة 3 يوليو. سيناريوهات القمع: "القمع هو بذور الثورة" بتلك الكلمات وصف وودرو ويلسون الرئيس الأمريكي الأسبق الحال فى البلدان السلطوية، وهى الحقيقة التى لا جدال فيها، لذلك لا يمكن النظر إلى أكثر من 4 آلاف شهيد وعشرات الآلاف من المصابين، وقرابة 45 ألف معتقل هى دليل على سطوة الانقلاب واستقرار ملكه، وإنما مؤشرا على وهن النظام وضعفه واقتراب سقوطه كما حدث تماما مع المخلوع مبارك. الحراك الثوري: لم يتوقف الحراك الثوري يوما منذ بوادر الانقلاب العسكري وقبل بيان 3 يوليو الانقلابي، وتوالت الأسابيع الثورية التى فشل مليشيات الداخلية فى التعامل معها أو الحد من انتشارها أو الحيولة دون ديمومتها، ولم يفلح حصار العسكر فى كرداسة وناهيا والمطرية والميمون والبصارطة ودلجا، وتحول حرم الجامعات إلى ثكنات عسكرية دون خروج الثوار وإنهاك قوى الأذرع الأمنية، وفضح ممارسات الفاشية العسكرية والصمود فى وجه من تلطخت أيديهم بدماء المصريين. الحراك الثوري يبقي الشوكة في حلق الانقلاب، والمعول الأول في هدم دولة العسكر واستعادة مكتسبات ثورة 25 يناير كاملة غير منقوصة، والسبب الأهم في أن تظهر العوال ال9 السابقة على السطح، بعدما لم يترك الثوار الفرصة للجنرالات لالتقاط الأنفاس أو التنعم بغنائم الانقلاب على السلطة، ويبقي أحرار الوطن أيقونة الثورة ومفتاح إسقاط حكم العسكر والمؤشر الحقيقي على أن "الانقلاب يترنح".