"الفريق يحارب الجنرال" هذا هو عنوان الصراع الدائر الآن في مصر. لم يعد هناك شيء يمكن إخفاؤه، فقد انتقل الصراع المكتوم بين مراكز القوى داخل النظام إلى العلن، وباتت المعركة مفتوحة على كل الاحتمالات. حسب مانشيت جريدة "الشروق الجديد" قبل أيام، فإن الفريق أحمد شفيق، الهارب والمقيم في دولة الإمارات، يخوض حربًا وجودية مع الجنرال، عبد الفتاح السيسي، من خلال رجاله في مؤسسات الدولة، وقد تم توجيه رسالة شديدة اللهجة لهم لخصتها كلمة "اتلموا". هكذا انتقلت المعركة بين "المماليك الجدد" من السر إلى العلن، وبات اللعب على المكشوف. الفريق شفيق لا يزال يعيش في وهمه الكبير بأنه الرئيس الشرعي للبلاد، وأن محمد مرسي "سرق منه الرئاسة" بعد صفقة مع المجلس العسكري الحاكم آنذاك، والسيسي ينظر لشفيق باعتباره "رجلاً من الماضي"، ومن الوجوه التي يجب أن تختفي عن المشهد، حتى تخلو له الساحة. ربما تكون هذه المعركة ليست سوى "قنبلة دخان"، هدفها التغطية على الفشل الذريع للجنرال السيسي، بعد مرور عام على وصوله إلى السلطة رسميًّا (هو الحاكم الفعلي للبلاد منذ 3 يوليو/تموز 2013)، حيث تحاول الأذرع الإعلامية الخبيثة ترويج وتضخيم "المؤامرة" التي تُحاك ضد الجنرال، وتعطل نجاحاته وتسعى إلى إسقاطه، وتبرر استمرار حالة القمع كما هي، بحيث يتغاضى الناس عن محاسبة السيسي عما أنجزه وحققه خلال عام. لذا، لم يكن غريبًا أن تصاحب هذه المعركة المفتعلة تصريحات متهافتة لإعلامييّ النظام، توجه اللوم للشعب وتطالبه بالهجرة والرحيل. وقد تكون لعبة "الفريق والجنرال" أحدث الحيل التي يتم نسجها، من أجل لفت الأنظار، بعيدًا عن المشكلات الحقيقية التي تواجه البلاد، إلى الدرجة التي جعلت "النخبة العسكرتارية" تطالب الجنرال بالتعامل الحازم مع المعارضة (لا أدري ماذا يريدون أكثر من ذلك؟)، وتحريضها العلني له بالقيام بمذبحة، على غرار مذبحة محمد علي مع المماليك، من أجل التخلص من مراكز القوى، وإعادة تشكيل المسرح السياسي بما يمكنه من تثبيت أركان حكمه. بيد أن ذلك لا يمنع وجود انقسامات وتناقضات حقيقية داخل صندوق الحكم، وهي انقسامات منبعها الخلاف حول توزيع غنائم "30 يونيو". فيدرك كثيرون ممن جاؤوا بالسيسي، خصوصًا رجال الأعمال والمتنفذين في الدولة، أنه لا يملك أية رؤية أو خبرة سياسية، وأنه جاء لأداء مهمة واحدة فقط، هي التخلص من "الإخوان المسلمين". ولكنه، بعد وصوله إلى السلطة، سعى إلى تهميش هؤلاء، والتخلص منهم تدريجيًّا، لكنه فشل، مما دفعهم إلى السعي إلى الانقلاب عليه. كما أنه فشل، طوال العام الماضي، في السيطرة على التجاذبات بين مراكز القوى، خصوصًا ما يحدث بين الجيش والشرطة، والتي خرجت خلافاتهما إلى العلن، وباتت حوادثها واضحة ومكررة. وعلى عكس ما قد يبدو، فإن السيسي هو الحلقة الأضعف داخل المعركة الراهنة، ولا أستبعد أن الخلاف معه قد وصل إلى مرحلة التفكير في التضحية به، بشرط أن يتم ذلك من داخل النظام، وليس من خارجه، ويبدو أن أطرافًا داخلية وخارجية طرحت مثل هذا السيناريو. وهو ما قد يفسر الحملة الإعلامية، التي شنتها أصوات ضد الجنرال قبل فترة، وربما كان ذلك من أجل جس النبض. يتواكب ذلك مع أحاديث إقليمية عن أن الجنرال أصبح عبئا، خصوصًا بعد أحكام الإعدام الأخيرة التي يبدو أنها قلبت الطاولة فوق رأسه. وهنا، لا أستبعد أن تكون مسألة استبداله قد باتت أمرًا مطروحًا للنقاش في الدوائر الإقليمية والدولية، كمحاولة لتفادي الانفجار المنتظر. ويظل السؤال المهم: كيف سيرد الجنرال على هذه التحركات؟ وهل سيبدأ عملية تصفية لمن يقفون وراءها؟ وهل سينجح إن فعل؟ أشك.