بالرغم من ارتفاع نسبة عدد العاطلين عن العمل فى الجزائر، فإن قطاعات أخرى تعاني من نقص كبير في اليد العاملة المؤهلة، وتلجأ إلى العمالة الاجنبية لسد العجز المسجل لإنجاز مشاريعها. وقدرت وزارة العمل في شهر يونيو الماضي عدد العمال الأجانب ب 140 ألف عامل من 125 جنسية، بحيث تأتي العمالة الصينية في المرتبة الأولى بتعداد يقدر ب40 ألف عامل، ينشط أغلبهم في ورشات البناء. وقال عبد السلام محمودي، وهو مقاول في أشغال البناء، إن "الكثير من المشاريع في قطاع البناء مهددة بالتأخر، بسبب قلة اليد العاملة". وأضاف محمودي لوكالة الأناضول: "نعاني نقصا كبير في اليد العاملة المؤهلة وحتى غير المؤهلة، لذلك نلجأ إلى العمالة الأجنبية رغم تكلفتها المرتفعة". وأرجع محمودي، في حديث لوكالة الأناضول، نقص العمالة الوطنية في قطاع البناء، إلى أن "هذا القطاع الذي كان خلال سنوات السبعينات والستينات يستوعب نسبة كبيرة من القوى العاملة لم يعد يستهوي الشباب الآن رغم الأجر المرتفع الذي يحصلون عليه في القطاع مقارنة بوظائف ومهن أخرى". ويفند ياسين سلام (25 سنة، عاطل عن العمل)، تصريحات المقاولين والشركات الأجنبية العاملة في الجزائر، بأن "القطاع لا يجذب الشباب"، وقال للأناضول: "إن قطاع البناء أصبح يعيش فوضى وتجاوزات كبيرة لقانون العمل ولإنسانية عماله". وأضاف سلام: هناك عدم مساواة بين العمال الجزائريين والعمال الأجانب، في الأجر وفي طبيعة الأشغال المخصصة لكل فئة، حيث يستغل أغلب العمال الجزائريين في أعمال السخرة، بدعوى نقص الخبرة، ولا يسمح لهم باكتسابها وتعلم التقنيات الجديدة في البناء، وهذا ما ينفر الشباب من مهن القطاع، كما أن الأجر الزهيد لا يضمن العيش الكريم. وبرأي عبد الحميد بوداود، رئيس المجمع الجزائري لخبراء البناء والمهندسين (مستقل) فإن "غياب استراتيجية وطنية لتأهيل العمالة الجزائرية لسوق العمل يبقى العائق الكبير في وجه إنجاز المشاريع وتقليص البطالة على السواء". وقال بوداود ل"الأناضول": "إن أزمة العمالة التي تعيشها بعض القطاعات ومنها البناء راجع إلى الذهنية الاجتماعية التي تحتقر بعض المهن والوظائف وتمجد أخرى، مما أثر سلبا على أداء العامل لمهنته التي لا يرغب فيها ولا يسعى من أجل الابداع من خلالها". وحمل بوداود الوزارات التناقض الحاصل في سوق العمل، قائلا: تلجأ الشركات والمؤسسات للعمالة الأجنبية لأن العامل الجزائري غير مكون ولا يساير التكنولوجيات الحديثة، ولا يوجد إلى حد الآن التفكير في ألية حقيقية وواقعية لربط الجامعة ومراكز التكوين بعالم الشغل، فبدل أن تكون الجامعة ومراكز التكوين حامل لمشاريع البلاد أصبحت عبء عليها بتخريجها لجيوش من العاطلين عن العمل. وطالب رئيس المجمع الجزائري خبراء البناء والمهندسين "بسن قوانين تفرض على الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر تكوين نسبة من الشباب المتمدرسين بالجامعات ومراكز التكوين في المهن وتوظيفهم في مشاريعها". ولا يقتصر نقص اليد العاملة على قطاع البناء والاشغال العمومية، حيث تعاني قطاعات أخرى من ذات المشكلة مثل الفلاحة والصيد البحري والسياحة، وأخرى. وقال عياش شبيطة، صاحب مستثمرة فلاحية بولاية تيبازة (غرب العاصمة) في تصريح ل"الأناضول": "توقفت عن حرث الأرض وزراعتها بسبب نقص اليد العاملة المؤهلة فمن أصل 14 عامل دائم لم يبق سوى ثلاثة عمال العام الماضي، وكان لجوئي للعمالة العادية غير المؤهلة أضرار بالمحصول وسبب لي الكثير من الخسائر". وأضاف "لقد انتهت الفلاحة في ظل غياب الفلاح في الجزائر، وكل الشباب يرغبون في أ يصبحوا تجار ورجال أعمال". وعن السبب تابع "لقد استنزفت القروض التي تمنحها الحكومة للشباب القطاع من اليد العاملة، وحتى تلك الممنوحة في إطار الدعم الفلاحي لا يتم استغلالها في القطاع بل لأغراض أخرى". ويرى الأستاذ محسن خنيش، الباحث في العلوم الإجتماعية بجامعة سكيكدة (شرق الجزائر)، "أن الجامعة الجزائرية فشلت في ربط الجامعة بسوق العمل رغم الاصلاحات الجذرية التي انتهجتها في البرامج التعليمية بداية من سنة 2008". وأضاف محسن ل"الأناضول" أن "اليد العاملة المتخرجة من الجامعات والمعاهد قاصرة عن مواكبة تكنولوجيات وتقنيات العمل الجديدة، فعدم التنسيق بين القطاع العام المكلف بالتعليم، والتكوين، والقطاع الخاص الإنتاجي أضعف عملية التكوين وانعكس سلبا على سوق العمل". ويعتقد الباحث "أن الحل هو في ضرورة دراسة الواقع البيداغوجي والعلمي للبرامج المقدمة بالجامعات مع إعداد نظرة مستقبلية لسوق العمل من خلال التخصصات العلمية المدرجة بالجامعة، مع ضرورة تخصص كل جامعة في مجال البحث المرتبطة بالنشاط الاقتصادي السائد في المنطقة". وتراجعت البطالة في الجزائر حسب أخر تقرير للديوان الوطني للإحصاء (حكومي) إلى نسبة 10,6 بالمئة خلال سبتمبر/أيلول الماضي. وتبرر الحكومة هذا التراجع إلى التحسن في مستوى الأداء الاقتصادي للمؤسسات، والورشات الكبرى التي أقامتها الحكومة في مجال البناء والأشغال العمومية خلال العشرية الماضية التي نقلت نسبة البطالة من 30 بالمائة سنة 1999 إلى 11.3 سنة 2008 وصولا إلى 10.6 أواخر 2014 (أرقام الديوان الوطني للإحصاء) إلا أن المعارضة تشكك في صحة هذه الأرقام، وتقدر نسبة البطالة الحقيقية ب20 بالمائة. وقال الطاهر بلعباس، منسق اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق العاطلين (مستقلة) لوكالة الأناضول "إن الشركات الأجنبية التي ترفض توظيف الجزائريين متواطئة مع مفتشيات العمل التي تتستر علي تجاوزاتها رغم وجود شرط في قانون الصفقات بلزمها بتوظيف 30 بالمائة من العمال من الجزائر". وأضاف أن "هناك تجاوزات عديدة من طرف هذه الشركات سواء في طريقة توظيف العمالة الاجنبية أو في انتهاك حقوق الجزائريين العاملين معها، وقدمنا العديد من الشكاوي لمفتشبات العمل لكنها لم تنظر فيها ولم تحول ملفاتهم للعدالة". وينفي وزير العمل الجزائري محمد الغازي هذه التهم حيث قال في تصريحات صحفية شهر يونيو الماضي "إنه تم وضع العديد من الشروط المتصلة بتراخيص العمل بالنسبة للعمال الأجانب وذلك في اطار اتخاذ اجراءات لضبط سوق العمل وتنظيمه من أهمها أن تتناسب مؤهلات وخبرات العامل الأجنبي مع المهن المطلوبة في السوق الجزائرية وأن يتحصل العامل الأجنبي على ترخيص عمل وفقا للقوانين والأنظمة المعمول بها". وأضاف "الرخص التي تعطي لبعض الشركات لا تتم إلا بعد التأكد فعلا من عدم وجود يد عاملة محلية مؤهلة لتلك الأشغال في مكاتب التوظيف". وتابع أن "الشركات الأجنبية ملزمة بتوفير فرص تكوين لفائدة اليد العاملة الوطنية خاصة منهم الشباب و ذلك في تخصصات تمكنهم من اكتساب مهارات ومؤهلات في المهن التى تعمل فيها".