قال مراقبون وخبراء سياسيون أن العلاقات التي بدت متماسكة وقوية بين الدول الخليجية باستثناء سلطنة عمان مع بدايات عاصفة الحزم الخليجية على معاقل الحوثيين في اليمن منذ ثلاثة أسابيع، بدأت في التصدع مؤخرا، نتيجة اختلافات في وجهات النظر حول مصير العاصفة ومصير الحوثيين والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وبعض القضايا الشائكة الأخرى. المراقبون أنفسهم أكدوا أن الحرب البرية في اليمن ستزيد هي الأخرى من التصدع الخليجي إن قررت المملكة العربية السعودية خوضها، خاصة وأن هناك بعض الأطراف الخليجية ترفض الحرب البرية، بالإضافة إلى أن طول أمد العاصفة وتكاليفها الباهظة قد تدفع الخلافات الخليجية المكتومة في بعض وجهات النظر إلى الظهور على السطح مجددا. "شؤون خليجية" رصد عددا من المؤشرات والأسباب التي توحي بأن هناك تصدعا بدأ يلوح في الأفق بين الدول الخليجية خلال الفترة الأخيرة بسبب الاختلاف في وجهات النظر المتعلقة ببعض قضايا المنطقة، وخصوصا الأحداث المتسارعة في اليمن، والحلول العسكرية والأمنية والسياسية، ومتى وكيف يتم استخدام كل منها. منع بن زايد من زيارة السعودية ل 10 أيام: وتشير المصادر إلى أن الأجواء والتفاصيل التي رافقت زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى الرياض تعكس حجم التوتر بين البلدين، مشيرا إلى أن بن زايد اضطر للانتظار لمدة عشرة أيام، قبل أن تأتيه موافقة السعودية على الزيارة. وفي هذا الإطار فإن ولي عهد أبو ظبي التقى خلال الزيارة فقط بوزيري الداخلية والدفاع السعوديين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، ولم يتمكن من مقابلة ولي العهد أو الملك سلمان، كذلك لم تحظ الزيارة بتغطية إعلامية أو اهتمام سعودي، مما يحمل دلالات واضحة على تراجع الدفء في العلاقات بين البلدين. تعارض وجهات النظر بشأن المخلوع صالح: وحول أهم أسباب التوتر بين الرياض وأبو ظبي، قال مصدر سعودي – في تصريحات صحفية - إن الرياض غير راضية عن الموقف الإماراتي من التطورات في اليمن، وخصوصا ما تعتقد أنه "محاولة إماراتية لإمساك العصا من المنتصف، من خلال المشاركة في عاصفة الحزم من جهة، ودعم الحوثيين وعلي عبد الله صالح من جهة أخرى". ونقلت بعض المصادر أخبارا غير مؤكدة تفيد بأن محمد بن زايد قدم أثناء زيارته للرياض مبادرة سياسية لإنهاء الأزمة في اليمن، بالتنسيق مع علي عبد الله صالح، ولكن السعودية رفضت مناقشة هذه المبادرة؛ لأنها تعتبر صالحا "شريكا غير موثوق، خان السعودية مرة، ويمكن أن يخونها كل مرة"، بحسب قوله. تصعيد دبي ضد باكستان وتهدئة الرياض: ويذكر أن الموقف من الأحداث في اليمن سبَّب أيضا توترا بين الإمارات من جهة، وباكستان والجزائر وتركيا من جهة أخرى، وهو توتر ناتج عن "التسرع والتخبط الإماراتي في السياسية الخارجية"، بحسب المصدر السعودي الذي يرى أن المشكلة الحقيقية للإمارات مع باكستان لا تتعلق بعاصفة الحزم، بل "بغضب أبو ظبي من التطور في العلاقات التركية الباكستانية"، وهي "علاقات تاريخية ممتدة، وليست وليدة اللحظة"، بحسب تعبيره. وبحسب مراقبين، فإنه بالرغم من أن الموقف الباكستاني شكل صدمة للرياض وأثار حفيظتها، إلا أن السعودية حاولت التقليل من أهميته بالقول: إنه قرار البرلمان وليس الحكومة، وذلك لعمق العلاقات بين باكستان والسعودية، إلا أن الإمارات حاولت إشعال الموقف عن طريق تصريحات حادة وشرسة شنها وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، إذ وصف موقف إسلام آباد بالملتبس والمتناقض، ليجد بعدها تصريحات أشد شراسة من قبل وزير الداخلية الباكستاني ضد الإمارات. إصرار سلطنة عمان على العزلة عن الخليج: في المقابل تصر "سلطنة عمان" على عزل نفسها عن باقي الدول الخليجية، حيث إنها كانت ولا تزال الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تشارك في "عاصفة الحزم" الخليجية ضد الحوثيين، كما أنها الدولة الوحيدة التي تبقي على فتح سفاراتها في العاصمة اليمنية صنعاء. عُمان أيضا تصر على التقارب مع إيران، في الوقت الذي تلتهب فيه العلاقات الخليجية بطهران، حيث كان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد طلب منها التوسط لإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية، فضلا عن أنها لا تبدي مواقف تضامنية مع الأحداث الإقليمية التي يشترك فيها الخليج بشكل عام. ويتساءل مراقبون وخبراء سياسيون عن قدرة الدول الخليجية على استيعاب مواقف السلطنة وفهمها، وإلى أي مدى ستصمت دول التعاون الخليجي على ما يعد خرقا للصف الخليجي من قبل السلطنة، وهل من المحتمل أن تشهد عمان سحب سفراء الخليج منها على غرار ما حدث سابقا مع قطر حين تم الاختلاف بينها وبين الخليج في وجهات النظر؟ أم أن الموقف الراهن لا يحتمل مزيد من الشقاقات والصراعات الخليجية؟. تكاليف الحرب الباهظة وطول وقت العاصفة: ويرى مراقبون أيضا أن هناك عدة عوامل بدأت في الظهور مؤخرا، تشير إلى احتمالية انهيار التحالف العشري لمحاربة الحوثيين. من بين تلك المؤشرات - بحسب المراقبين - انسحاب باكستان الأولي من المشاركة في تلك العاصفة، حتى ولو كان انسحابا عسكريا فقط، كما أن طول أمد تلك الحرب قد يدفع دولا أخرى إلى الانسحاب من هذا التحالف، خاصة وأن الدوائر الرسمية السعودية تخشى من محددات عامل الوقت وفاتورة التكاليف من جهة، ومن جهة أخرى حجم الرهانات والمكاسب التي يتوقع كل طرف أن يحصل عليها كمقابل لمشاركته بهذا التحالف المشارك بالعدوان على اليمن. ويعتبر المراقبون أن عوامل الوقت وفاتورة التكاليف وحجم الرهانات لكل طرف مشارك بهذا التحالف، بالإضافة إلى حجم الدمار والخسائر المتوقعة باليمن وو..إلخ. جميع هذه الأسباب والمحددات ستكون سببا واقعيا ومنطقيا لانهيار هذا التحالف على المدى البعيد إن لم تنتبه السعودية لذلك في القريب العاجل، وتحاول التوافق على كل النقاط وتحديد سقف زمني لتلك الحرب.