خلال الشهر الكريم يصطف المصلون في مختلف المساجد السويسرية كل ليلة استعدادا لصلاة التراويح آملين أن يؤمهم فيها أحد المشايخ الذين توفدهم بعض الدول الإسلامية إلى البلاد كل عام لإحياء ليالي رمضان، ولكن دون جدوى. فقد رفضت السلطات السويسرية السماح هذا العام بدخول ما لا يقل عن 15 إماما إلى البلاد لأسباب مختلفة، يرى بعض القائمين على أمر الجالية المسلمة أنها "واهية وليست منطقية".
ويقول محمد مصطفى حابس المسؤول عن استقدام خمسة أئمة لبعض مساجد مقاطعة فو (جنوبي غربي سويسرا) "لقد تقدمنا بطلبات الاستقدام قبل بداية الشهر بوقت كاف لنضمن استقبال أسماء لامعة كالدكتور أشميش العلمي من جامعة فاس المغربية والمقرئ مهدي شرف الدين من الأزهر الشريف، لكننا فوجئنا بتعقيدات بيروقراطية غير مسبوقة".
إجراءات "طبيعية" ويتابع حابس "تارة يقولون لنا بأن الحصول على تأشيرة دخول موحدة إلى أوروبا طبقا لاتفاقية شينغن يتطلب تحريات وموافقات من أطراف عديدة، ثم يبررون التأخير بأنه بسبب البريد ويرفضون التعامل عن طريق البريد الإلكتروني".
وقد رفضت المتحدثة الإعلامية باسم المكتب الاتحادي للهجرة ماري أفيت التهم الموجهة إلى السلطات ب"تعقيد الأمور"، ورأت أن حضور الأئمة بمناسبة رمضان يندرج تحت مسمى "ممارسة عمل" ما يتطلب التعامل معها وفق "مسارها الطبيعي"، حسب وصفها.
كما أضافت أن القوانين الجديدة "تقضي بتوفير شروط معينة مثل راتب مناسب وتوضيح طبيعة المهمة الموكلة إلى الأئمة".
وتنتقد المراكز الإسلامية هذا الرأي معتبرة أن الجميع يعلم منذ عقود أن الأئمة والوعاظ والمقرئين يأتون في إطار بعثات دينية من الدول الإسلامية بمناسبة رمضان، وأن هذا لا يدخل في إطار العمل الربحي.
تقليص متعمد وقد واجهت المراكز الإسلامية في برن ونيوشاتيل وزيورخ وجنيف حيث يقيم أغلب مسلمي سويسرا البالغ عددهم نحو أربعمائة ألف نسمة نفس المشكلة، ما جعل بعض أبناء الجالية يشعرون بأن هناك "توجها لتقليص عدد الأئمة أثناء شهر رمضان"، فقد كان الأزهر الشريف وحده يوفد سابقا إلى سويسرا في حدود 25 إماما، بينما لم تسمح السلطات السويسرية هذا العام إلا بدخول 14 فقط منهم.
ويحذر حابس من تأثير تلك المواقف على ثقة الجالية في المؤسسات السويسرية باعتبارها غير جادة في دعم حرية ممارسة الشعائر الدينية.
ويتفق رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بسويسرا الدكتور هشام ميزر مع تلك المخاوف، بل يذهب لحد التحذير من أن "عدم وجود الأئمة في رمضان يهز كيان الجالية بشكل ملموس، ويؤثر على علاقتها بالمراكز التي ترعى شؤونها مما قد يؤدي إلى الفتور نحوها".
الحلول الممكنة وقد أكد ميزر بأن الاتحاد سيعد تقريرا عن الموقف لمناقشة الوضع مع السلطات كل حسب اختصاصه حرصا على عدم تكرار تلك المشكلة.
وفي حين تميل بعض الآراء المقربة من السلطات إلى "إمكانية التغلب على تلك المشكلة بالاستعانة بأئمة من داخل أوروبا"، يشير حابس إلى أن هذا التوجه "لا يصلح في رمضان، لأن أغلب المتواجدين منهم في أوروبا من المتطوعين يمارسون عملهم لسد العجز في الأئمة، أما ليالي رمضان فلها طابعها الخاص، مثل تلاوة القرآن ودروس التفسير والفقه".
كما يستنكر فضيلة الشيخ يوسف إبرام إمام وخطيب مسجد المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف التفكير في هذا التوجه قائلا "إن التواصل مع علماء من الدول الإسلامية أمر مهم لأبناء الجالية في أوروبا ففيه إثراء فكري وديني ومعنوي، ومن الغريب أن يحرص الأوروبيون على التبادل الثقافي والعلمي مع كافة أصقاع الأرض بينما حين يتعلق الأمر بالمسلمين يظهر صوت يقول عليكم بالاكتفاء الذاتي".