بقلم: إبراهيم أبو الهيجاء ما أفضت به وزيرة الخارجية الأميركية عن مراهنات أميركية ودولية على انقسامات في حركة " حماس " يتوافق بالضبط مع الطموح الدولي والمحلي والإقليمي الذي يحاول باستخدام عصا الحصار وجزرة المركز والعلاقات السياسية و صهر "حماس " في أتون السلطة وصولاً إلى تدجينها وتدريج اعترافها بالاتفاقيات السياسية ، ولاشك أن "حماس " في تجربة السلطة كانت كأي حركة تخوض غماراً جديدة يعتري مسالكها النجاح والفشل وهذه المنحة الانتخابية كانت محنة في المواقف والموازنات المناسبة منها ، ولكن على الرغم من ان دخول غمار التجربة الانتخابية بحد ذاتها كان مصدر اجتهادات وتبيانات في وجهتي نظر ، إلا انه لايمكن الشك في حرص كليهما على الوصول بالمشروع الفلسطيني ككل نحو الحرية ، ولكن تغلب وجهة نظر في انتخابات ( 96 م) أعطى للحركة فرصة لاختبار ثمن الإحجام والدخول في انتخابات ( 2005 م ) أعطى الحركة بعداً في معرفة الأثمان المقابلة لدخول السلطة ، ولاشك أن دخول الانتخابات والاعتراك مع ملفات الداخل الفلسطيني كانت أصعب على " حماس " ، وهي وان تطلبت منها الكثير من المرونة ولربما الخسارة الشعبية النسبية نتاج مؤامرات الحصار إلا أنها أبقت " حماس " بعيدة عن الانقسام وبثبات اكبر لأنها تمسكت بثوابتها رغم الضغوط والتي ازعم انه لايمكن لحركة تحرر أن تتحملها ، ولعل ما ساعد الحركة حتى الآن على تجاوز المحنة هو ثقل القضية الفلسطينية وما تعنيه إيمانيا وتاريخيا في فلسفة ورؤية الحركة التي تربى عليها أبناؤها وقامت على أساسها أهداف ووسائل العمل . وبرأيي أن وثيقة الأسرى التي اشترك فيها بعض قيادات حماس في السجون كانت المحطة الأصعب إلا أن تأكيد الحركة أنها لا تنقاد لقطاع دون قطاع ولا تقدس رأيا دون آخر أنجى الحركة مرة أخرى من منزلق الانقسام بالثبات المبدئي والإبداع اللغوي الذي مكنها مرة أخرى من تحويل وثيقة الوفاق من سلاح بيد الخصوم إلى سلاح لها يتهرب منه الآخرين . كل ذلك لا يعني أن الحركة لا تموج فيها الآراء الشتى التي تذهب فيه تارة يمنة وتارة يساراً حسب القراءة المختلفة للواقع المحيط ، ولاشك أن تحديات السلطة صقلت مواقف الحركة باتجاه قراءة متوازنة لتجربة السلطة والواقع السياسي والمحيط الدولي ، ورغم انه ألقى بأعباء أمانة الإصلاح لما في بواطن السلطة من فساد كبير ، إلا انه أكد للحركة ومن ثم للشعب الفلسطيني ارتباط الفساد بالتسوية أي بالثمن السياسي ، ولهذا واجهت تجربة الحركة في السلطة نيرانا داخلية وخارجية ، فالداخلية تريد إبقاء رفاهيتها الشخصية على حساب الحقوق الوطنية ، والخارجية تريد إبقاء التنازل الفلسطيني في سقوف أوسلو وبقايا السلطة الهشة . ورغم ما جرى في لبنان من انتصار واضح لنهج المقاومة إلا أن المسالة الفلسطينية كانت معقدة اكثر بكثير من الوصول للنموذج اللبناني ، لان فكفكفة واقع متهاو سياسيا وماليا ولأكثر من عشر سنوات ورده إلى توازن المواقف يحتاج بالقطع لأكثر من ستة شهور ، ولكن رغم محاولات إحباط تجربة " حماس " في السلطة إلا أنها حققت انجازات لايمكن الاستهانة بها فهي ( أولا ) أعادت الاعتراف بإسرائيل إلى دائرة الجدل بعد أن كان من المسلمات النظرية وهي ( ثانياً ) أعادت نسبيا تكييف الاقتصاد الفلسطيني مع اقتصاديات الكرامة والصمود ، و ( ثالثاً ) نجحت نسبيا في تحقيق شرعية المقاومة فلسطينياً والاعتراف بوجودها وثقلها ، و(رابعاً ) استطاعت خلق توازن وأيضا نسبي بين واقعها السياسي المعقد وثوابتها الوطنية . بالعموم لايمكن لحماس الانقسام إلا في حالة الاستجابة الواضحة مع شروط الرباعية الثلاث التي تخلت عن بعضها حديثا ، لان الاعتراف بإسرائيل والإقرار بعدالة الاتفاقات السابقة أو التأكيد على صدقية كل القرارات العربية والدولية ونبذ المقاومة ... كلها وصفات ستغرق حماس في وحل الانقسام ، ولذا فتصريحات " رايس " وضغوط الداخل الفلسطيني و والإقليمي العربي تؤكد لحماس أنها لا تستهدف حقا إدخالها في السلطة وإعطائها الحوافز السياسية بقدر ما تريد انقسامها وصولاً إلى تلاشيها وإفشال أي تجربة مقاومة ذات بنية شعبية وتنظيمية ، وبظني أن حماس منتبهة لذلك ، ولذا فهي صلبة في مواجهة هذه الشروط رغم ما تدفعه يوميا من جدل داخلي حول خيار البقاء في السلطة او عدمه ، وما تدفعه من تراجع في شعبيتها وخسارة لبعض علاقاتها العربية ، ولكن كل ذلك يهون في تأكيد الأهداف والثوابت الوطنية وتحقيق ولادة جديدة للمشهد الفلسطيني ومكوناته الاجتماعية والسياسية وان شاب هذه الولادة عسر هنا ومخاض هناك وجراحة في مواضع أخرى.