في بيان غير مسبوق، وقع أكثر من أربعين من كبار الأستاذة الجامعيين والدبلوماسيين، بمن فيهم أكثر من عشرة رؤساء سابقين لاتحاد دراسات الشرق الأوسط، على خطاب موجه للرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير الخارية الأمريكي جون كيري لدعوة الإدارة الأمريكية إلى المطالبة بالإفراج الفوري عن الناشط علاء عبد الفتاح وباقي المعتقلين السياسيين في مصر. ودعا الخطاب أيضا الإدارة الأمريكية بمطالبة السلطات المصرية بإلغاء قانون التظاهر الذي صدر العام الماضي، وإنهاء ما وصفه الموقعون ب"قمع حقوق حرية التعبير التي يكفلها الدستور المصري والقانون الدولي، والعنف الذي تمارسه الحكومة، بما في ذلك التعذيب وأحكام الإعدام التي يصدرها القضاء بشكل مفرط، وهي الممارسات التي لاتزال مستمرة، حتى بعد انتخاب الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي." وبينما تشهد الساحة العراقية أعمال عنف، علاوة على ما تشهده الساحة السورية من حرب أهلية، حذر هؤلاء الباحثين والمسئولين الذين يعدون خبراء في الشأن المصري من أن تزايد حدة العنف السياسي في مصر تتجسد في سجن علاء عبد الفتاح من جديد، وما وصفوه بالانتهاك المستمر للحقوق، مما يهدد بزعزعة استقرار مصر بشكل دائم، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وما ورائها (حسب قولهم). وتضمن الخطاب دعوة إدارة أوباما إلى وقف التعاون "غير الإنساني" مع مصر عسكريا وأمنيا وسياسيا واقتصاديا حتى تمتثل الحكومة المصرية لهذه المطالب.
وجاء نص الخطاب كالتالي:
إلى الرئيس أوباما ووزير الخارجية كيري
ندين نحن الأكاديميون والدبلوماسيون وصناع السياسة الموقعون أدناه الهجوم المكثف على الحقوق السياسية والمدنية الأساسية في مصر، وهو ما تجسد مؤخرا في حكم السجن الذي صدر في الحادي عشر من يونيو الجاري بحق أكثر من عشرين ناشطا على خلفية انتمائهم لحركة مناهضة المحاكمات العسكرية، بمن فيهم المدون علاء عبد الفتاح، لمدة عاما. إن الحكم المفاجئ الذي أصدر غيابيا وسجن النشطاء مع منعهم ومنع محاميهم من قبل الشرطة من دخول قاعة المحاكمة في يوم كان مخصصا لمرافعات المحامين يعد أحدث الأمثلة وأكثرها فجاجة على الانتهاكات الممنهجة للحقوق المعترف بها دوليا المتعلقة بحرية التجمع وحرية التعبير، وهذه العملية توضح معالم البيئة السياسية في مصر اليوم. وعلاوة على ما سبق، هناك أيضا استخدام مستمر على نطاق واسع للعنف من قبل قوات الأمن ضد المواطنين المصريين الذين يمارسون حقهم المعترف به دوليا في الاحتجاج، إضافة إلى تطبيق عقوبات إعدام جماعية أصدرت خلال عملية قضائية معيبة ومسيسة بشدة، واستخدام التعذيب والاعتقال لفترات طويلة دون محاكماة وما إلى ذلك من أشكال سوء معاملة المعتقلين من قبل الحكومة. مثل هذه الممارسات والسياسات تشكل عائقا في وجه أي تأثير إيجابي للانتخابات أو أي عملية ديمقراطية رسمية قد تكون شهدتها مصر، بل أنها تخلق مساحة لتعميق تهميش المواطنين العاديين وزيادة حدة الصراعات الاجتماعية والسياسية، وفي نهاية المطاف تؤدي لتزايد حدة العنف. وكما نتابع بقلق شديد انزلاق العراق نحو حرب أهلية محتملة، والمذبحة الأكبر على المحطة التالية سوريا، نود الإشارة إلى أنه بين ثنايا التوترات الطائفية والعرقية التي تعد الدافع وراء هذه الصرارعات في سورياوالعراق، هناك أمر آخر، وهو إنكار حقوق المواطنين لفترات طويلة والفساد الممنهج والعنف الحكومي ضد الحركات الشعبية، وهي السمة التي لاتزال مميزة للبيئة السياسية المصرية، حتى بعد انتخاب الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي. إن العنف السياسي الذي يمارسه النظام الحالي، والذي بدأ موجها ضد جماعة الإخوان المسلمين ولا يزال موجها ضدهم بشدة، يزيد حدة تركيزه على إسكات ما تبقى من أصوات ثورية ترتبط بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وكما رأينا في العديد من الدول، يتطلب اتباع هذه السياسات شيطنة المزيد والمزيد من المواطنين باعتبارهم إرهابيين أو خونة أو عملاء أو أعداء، بينما نرى على الجانب الآخر شرعنة مناهج العنف والقمع. في مصر وغيرها من الدول، تكون النتيجة النهائية لمثل هذه السياسات، التي نفذت في ظل قبول بل ودعم من حلفاء ورعاة مصر الإقليميين والدوليين، هي أن تؤدي حتما إلى تفسخ الروابط لعامة المواطنين وتعميق الصراعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. مثل هذه النتيجة هي ما وصلت إليه مجريات الأمور في العراق، وقبل ذلك في سوريا، وهي الآن تطرق أبواب مصر من جانب جارتها ليبيا، كما يتجلى ذلك بشكل متزايد وخطير في شبه جزيرة سيناء، وهو ما يكبد مصر تكاليف مثل زعزعة الاستقرار، كما أنه يصعب حساب تبعات ذلك على أمن واستقرار المنطقة بل والعالم بأسره، ولذلك، باتت الخطوات الضرورية لوقف الوصول لهذه النتيجة واضحة يتحتم على الحكومة المصرية الإفراج فورا جميع المعتقلين والمسجونين السياسيين، وليس فقط عن علاء عبد الفتاح وباقي المحتجين الذين تم الحكم عليهم بالسجن مؤخرا، وفي الوقت ذاته، يجب عليها أيضا إنهاء تسييس العمليات القضائية واستخدام التعذيب الذي لا يزال مستشريا، وما إلى ذلك من أشكال العنف وسوء المعاملة للمواطنين المصريين، وكذلك إلغاء قانون التظاهر الذي أصدر في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، والذي يضع قيودا حادة على الحق في التجمع ويعد انتهاكا صريحا لمبادئ حرية التعبير السياسي وفقا لكلا الدستور المصري والقانون الدولي. مثل هذه الإجراءات لا تزال تعد شرطا لا غنى عنه لإنجاح انتقال مصر بشكل جاد نحو المسئولية الديمقراطية. نحن ندعو الرئيس أوباما ووزير الخارجية كيري والإدارة الأمريكية بكامل قدراتها إلى المطالبة بهذه التحركات، وعلاوة على ذلك، وقف التعاون الطبيعي مع الحكومة المصرية، بما في ذلك إمدادها بالمساعدات أو المبيعات العسكرية، وكذلك وقف المساعدات الاثتصادية حتى تتحقق هذه المطالب. إن تجاهل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان الأساسية في مصر، وخصوصا في ظل تعرض دول أخرى بالمنطقة لانهايارات سياسية خطيرة، لايمكن أن يعد سلوكا بناء أو سياسة سليمة، ولا يمكن أن يكون مبررا وفقا لمبادئ السياسة الواقعية، فذلك لن يساعد إلا على إفراز عداوات وعنف وزعزعة للاستقرار وفوضى على نطاق أوسع في مصر، ومنها إلى باقي المنطقة. إن المجنمع الدولي، وبخاصة حليف مصر الأهم الولاياتالمتحدة، لا يمكن أن يظل مكتوف الأيدي بينما يحدث ذلك. الموقعون