لا يعد مؤتمر هرتسليا السنوي منبراً لتوصيف الوضع الأمني الإسرائيلي والتحديات التي تواجهه وحسب، بل يمثل أيضاً منصة للمسؤولين الإسرائيليين، لإطلاق تهديداتهم ضد المحور المعادي، على هذا المنبر البحثي الأهم في إسرائيل، يتنافس القادة والخبراء في تل أبيب، كل عام، على استعراض التحديات والأخطار مقابل الأستعداد والجاهزية الإسرائيليين، هذا العام، وعلى مدى ثلاثة أيام، يعرض قادة تل أبيب مجمل التحديات والتهديدات الأمنية، ويتحدثون عن السياسات واستراتيجيات المواجهة المختلفة، من إيران إلى سورياولبنان، وما بينها، وصولا إلى فلسطينالمحتلة ومصر وما وراءها من ساحات، مع تنبؤ وتقدير مختلفين حول كل ساحة. وقد برزت أمس، في اليوم الثاني للمؤتمر، كلمة رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بني غانتس، الذي وزع تهديداته على كل الساحات، فهو سيعيد لبنان إلى الوراء عشرات السنين إن نشبت الحرب مع حزب الله، وشدّد على ضرورة ألا تصل إيران إلى القدرة النووية ولو استدعى الأمر استخدام القوة ضدها، بينما رأى ان الحرب السورية لن تنتهي إلا بسقوط الرئيس بشار الاسد، وقد تتواصل عشر سنوات اخرى، وحذر من قدرات عسكرية مقلقة في قطاع غزة، ونبه إلى ضرورة مواجهتها، ومن تعاظم «الجهاد الاسلامي» وتنظيم «القاعدة» في المنطقة، مؤكداً في المقابل أن جيشه بات قادراً على الحسم والانتصار في الحروب والمواجهات. ولفت غانتس إلى أن «منطقة الشرق الأوسط تمر بهزة قوية منذ عدة سنوات، وهناك عدم استقرار متسارع في كل الساحات، وعلينا أن نكون مستعدين ويقظين بصورة دائمة»، مضيفا أن «طبيعة التهديدات التي تواجهها إسرائيل تغيرت في شكل دراماتيكي بسبب التغيرات الاستراتيجية في المنطقة، وبالتالي ادخل الجيش التعديلات اللازمة على بنيته ومفهومه الأمني، لمواجهة هذه التهديدات». وفي إطار عرضه لتهديد حزب الله العسكري، أكد غانتس وجود قدرة هائلة جدا لدى هذه «الميليشيا اللبنانية». واضاف: «لدى حزب الله قدرة وتسليح افضل من بعض جيوش العالم». وتساءل امام الحاضرين: «من فضلكم اعطوني اربع او خمس دول، لديها اكثر مما لدى حزب الله، اهي روسيا او الصين او اسرائيل او فرنسا او بريطانيا؟ فقط هذه الدول لديها قوة نارية اكثر مما لديه، لديه قوة ضخمة تغطي كل نطاق دولة إسرائيل». وعبر غانتس أيضاً عن القلق من تعاظم وتراكم الخبرة القتالية لدى حزب الله في سوريا، وقال: «أعتقد أننا سنضطر إلى مواجهة الخبرة الهجومية التي باتت موجودة في حوزة حزب الله، وهي الخبرة التي راكمها طويلا في سوريا، وهذه المواجهة قد تكون محدودة ومباشرة في جبهات القتال، أو في حرب واسعة النطاق داخل لبنان، علينا ان نكون حذرين من الخبرة القتالية للإرهابيين اللبنانيين المكتسبة في سوريا». ومع ذلك ردد لازمة الردع الاسرائيلي حيال الحزب، باعتبارها الحل الامثل لابعاد الحرب عن اسرائيل، وقال: «يدرك حزب الله ما سيحصل اذا خاض حربا معنا، لانه يأخذ في الحسبان ان ذلك سيعيد لبنان عشرات السنين الى الوراء، وانا آمل ان يبقى هادئا». وفيما بدا انه رد على تقارير عبرية نشرت اخيرا واثارت قلقا لدى خبراء اسرائيل حول نوايا حزب الله الهجومية وقدرته على احتلال مناطق في شمال فلسطينالمحتلة، شدد غانتس على انه «لا يوجد لدى حزب الله خطط فورية لمهاجمة اسرائيل»، وربط ذلك كله «بالظروف» التي لا تسمح له بذلك، في اقرار غير مباشر بوجود القدرة لدى حزب الله، لكن على انتفاء القرار وحسب. وتطرق غانتس الى الحرب في سوريا، عارضا تقديرات الاستخبارات لمآلاتها، ومؤكدا ان هذه الحرب تتجه بصورة متزايدة الى المزيد من التعقيد، اذ ان «المنظومة السياسية في هذه الدولة (سوريا) آخذة بالانهيار كبرج من ورق، ولا نتيجة جيدة لاسرائيل، وطالما ان الاسد موجود في الحكم، لا يبدو ان هناك حلا فعالا، لانهم لا يقاتلون من اجل مستقبل سوريا، بل يقاتلون ضد شخص الاسد، ما يعني ان الحرب قد تتواصل عشر سنوات مقبلة، واكثر من ذلك». وتحدث عن «ظاهرتين اشكاليتين تحدثان في الوقت نفسه في سوريا: المحور الراديكالي بقيادة ايران يزداد قوة، وطهران تستثمر الكثير في حزب الله وفي سوريا، حيث للحزب دور كبير في هذا البلد، وكل ذلك في موازاة تزايد قوة عناصر الجهاد العالمي في هذه الساحة، الذين يحاولون اعادة ترسيم حدود سايكس بيكو القديمة، مع التقدير ان يصل عددهم الى خمسين الفاً»، محذرا من انه لا أحد يمكنه ان يخبر عن «مضمون القصة غدا، بل علينا فقط ان نظل يقظين ومستعدين، لاننا قد نجلس لاحتساء فنجان قهوة صباحا، وبعد ساعة واحدة قد نكون في خضم حرب مفاجئة». ورأى أن «من المهم جدا منع إيران من الوصول إلى القدرة النووية، وهذا قد يتحقق إما عن طريق القوة او من دونها. المهم ألّا تحقق إيران هدفها». واضاف «الجمهور الإيراني هو الذي دفع بحكومته للتوصل إلى اتفاق مع دول الغرب، وبرغم ذلك فطموحات وقدرات إيران لتصنيع قنبلة نووية لم تتضاءل». وعن قطاع غزة، اكد غانتس ان «دراما كبيرة تحدث في غزة مع التسلح بالصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، وبرغم الهدوء النسبي بين إسرائيل وغزة، يقوم متطرفون في الجانب الفلسطيني بتسليح أنفسهم بصواريخ بإمكانها الوصول إلى العمق الإسرائيلي، اما في الضفة الغربية، فنشهد حوادث موضعية قد تتحول الى حادث جدي»، الا انه طمأن الاسرائيليين إلى ان «حماس مرتدعة وتدرك ثمن الحرب معنا». وحول الساحة المصرية، أشار غانتس إلى وجود الجهاديين في سيناء، وقال «الوضع في سيناء أفضل مما كان عليه قبل عام أو اثنين، وهناك اهمية كبيرة للجهد المصري والاردني ضد الجهاديين». ورأى ان «نظام الرئيس المصري الجديد، عبد الفتاح السيسي يستقر، وهو ايضا يحاول محاربة الجماعات الجهادية». وختم بالتأكيد على جاهزية الجيش الاسرائيلي ربطا بتغيير طبيعة التهديدات، كاشفا انه سيجري في نهاية الشهر الحالي تطبيق تغيير تنظيمي في القيادة العملياتية لسلاح الجو، مما سيزيد من قدراته على نحو كبير. كلمة رئيس قسم الابحاث في الاستخبارات العسكرية، ايتاي برون، عبرت عن واقع القلق الاسرائيلي من المواجهة المقبلة، وفصلت اكثر حول «الخاصرة الرخوة لاسرائيل»، اذ اكد على جانب التهديدات والاخطار وصعوبة مواجهتها، مشيرا الى ان «الجبهة الداخلية معرضة لخطر اكبر في اعقاب الهزة السياسية في منطقة الشرق الاوسط، والجانب الاخر يحاول التزود بقذائف وصواريخ يتزايد مداها وتتميز بإصابة الاهداف بدقة»، وحذر من «ان ما يزيد على 170 الف صاروخ وقذيفة صاروخية تهدد الجبهة الداخلية في اسرائيل». وتحدث الجنرال برون عن صعوبات المواجهة وضرورة العمل على منع العدو من التفوق العسكري، وقال ان «الاعداء يحاولون ضرب تفوق اسرائيل الجوي والبحري عن طريق التزود بصواريخ بحرية واخرى متطورة، وهذا التطور في الميدان يمثل تحديا لقوة اسرائيل الرادعة، كما تجعل من الانذار المسبق (الاستخبارات) امرا معقدا وصعبا».