الفلسطينيون الذين كانوا يأملون أن تقوم دولتهم بعد ستة أشهر، قبل انتهاء فترة حكم الرئيس بوش بشرهم بوش بأن هذه الدولة ستقوم، ولكن بعد ستين سنة، ولم يكن يمزح عندما قال في خطابه في الكنيست إن “إسرائيل” ستحتفل بعيدها العشرين بعد المائة وإلى جانبها دولة فلسطينية في الضفة وغزة، وإنما كان يوجه رسالة إلينا وإلى من يعنيهم الأمر بأن الدولة الصهيونية وجدت لتبقى، وأن الدولة الفلسطينية يمكن أن تقوم ولكن بعد ستين سنة. وأذكر أنه عندما توصل الفرقاء المتصارعون في لبنان عام ،1975 بعد نشوب الحرب الأهلية بأسابيع، إلى قرار بوقف إطلاق النار، قال لي سياسي عربي كبير: لا تأخذ هذا القرار على محمل الجد، وسألته عن السبب في تشاؤمه فقال: إن الحرب الأهلية لن تتوقف إلا بعد تدمير الصيغة اللبنانية، بحيث لا تقوم لها قائمة في المستقبل. وسألته ماذا يعني، إذ بدا حديثه أشبه بالألغاز، فقال موضحا: واضح أن معاهدة فك الاشتباك التي وقعتها مصر وسوريا مع “إسرائيل” تعني أن حرب اكتوبر ستكون آخر الحروب العربية “الإسرائيلية”، وأن التمهيد قد بدأ لشرق أوسط جديد. ولبنان حاليا هو المركز المالي والتجاري والسياحي في الشرق الأوسط، و”إسرائيل” تطمح إلى القيام بهذا الدور بعد توقيع معاهدات السلام مع العرب، فهي تريد أن يكون مطار اللد، لا مطار بيروت، هو المطار الرئيسي في الشرق الأوسط، وميناء حيفا، لا ميناء بيروت، هو الميناء الذي تمر عبره تجارة الترانزيت إلى كل دول المنطقة. وهي تريد أن تكون المركز المالي الرئيسي في الشرق الأوسط وأن تودع كل أموال الأثرياء العرب في مصارفها لا في المصارف اللبنانية، كما تريد أن يتحول المركز السياحي إليها، فيفد إليها كل الراغبين في زيارة الشرق الأوسط للتمتع بطبيعته الساحرة، ومن يرغب منهم في زيارة الأرز أو كازينو لبنان أو مغارة جعيتا يمكن أن ترتب له الشركات “الإسرائيلية” رحلة بباصات سياحية حديثة إلى لبنان لمدة يوم أو يومين يعود بعدها إلى “إسرائيل”، وكذلك من يرغب في زيارة أهرامات مصر أو آثار تدمر في سوريا، أو البتراء في الأردن، كل هؤلاء ينزلون في “إسرائيل” ويقيمون في فنادقها وتنظم لهم رحلات سياحية. وقال صديقي السياسي العربي الكبير إن “إسرائيل” تنظر بقلق إلى الصيغة اللبنانية التي تتعايش فيها مختلف الأديان بانسجام وتآلف، بينما “إسرائيل” تحاول أن تكون دولة يهودية خالصة، ولذلك فإنها شديدة الحرص على التشكيك بهذه الصيغة، وتدميرها إذا توفرت الفرصة لها. والحرب الأهلية جزء من هذا المخطط التدميري، وهي لن تتوقف إلا إذا حقق المخطط أهدافه، أو صحونا نحن على الشرور التي تعدها “إسرائيل” لنا. قال لي السياسي العربي الكبير هذا الكلام قبل 33 سنة، وصادقت الأيام على كل حرف منه، وقد كان لافتا للنظر أن تقوم “إسرائيل” في حرب يوليو/ تموز مع المقاومة اللبنانية بتدمير البنية التحتية للبنان حتى في الأماكن التي لا توجد بها مقاومة. ولنا أن نتساءل حول حرائق الغابات التي دمرت نسبة عالية جدا من الأحراش اللبنانية: هل كان الهدف من هذه الحرائق هو تدمير البيئة اللبنانية التي تستهوي السياح؟ أبو خلدون [email protected]