بقلم: أحمد مصطفى ضربت المقاومة اللبنانية مثلا جديدا في الحفاظ على ما بعض ما تبقى من قيم الأمة، وذلك بما نقل عن قائدها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأنه لو كانت المقاومة ترى رد الفعل الذي جرى ما كانت قامت بعملية اسر جندي الاحتلال وقتها. وإن كان ذلك واضحا من تصريحات الحزب منذ بدء الحرب التي كرر فيها أنه يخوض حربا فرضت عليه وأنه لم يرد الحرب المفتوحة. وقد أجمع كثيرون على أن العدو الصهيوني كان يخطط للعدوان منذ عامين على الأقل ، وإنما استغل حادث الجنديين لينفذ إرهابا مبيتا كان واضحا أن الاميركيين متواطئون فيه إلى حد عرقلة أي موقف دولي لحين إنهاء الصهاينة مهمتهم، ولم تتوقف الحرب إلا بعد إدراك العدو أنه سيفقد الكثير والكثير من مصداقيته العسكرية بعد أكثر من شهر من العدوان الفاشل على لبنان. وإن كان ذلك يتقاطع مع ملاحظات رد الفعل العربي على الحرب الأخيرة في بدايتها، إلا أنه يختلف فقد جاءت المراجعة بعدما وضعت الحرب اوزارها ، اما التصريحات خلال الحرب فهي التي بدت وكأنها تبرر لإسرائيل عدوانها الارهابي على لبنان وتعفي العرب من اتخاذ موقف لكن المهم في ذلك كله ، بعيدا عن السياسة قليلا ، هو قيمة "الاعتراف" والمراجعة فقد فقدنا الجماهير والنخب والانظمة تلك الميزة التي هي قيمة اصيلة لاي امة ترغب في التقدم والتطور، حتى اصبح العناد في الباطل سمة من سمات سلوكنا والعناد في الباطل اقرب للصلف والعنجهية التي تنم عن ضعف وليس عن قوة، حتى لو كان سالكها يملك سلطانا ونفوذا واصبح العناد في الباطل احد ميكروبات تراجع مجتمعاتنا وضعفها، فمن لا يقبل بانه يخطئ لا يمكن ان يتعلم ويتحسن ويتطور. ويجرنا ذلك الى سمة اخرى اصبحت تشوه المشهد القيمي العربي وهي "اللجوء للأسهل" كمخرج سريع في كل شئ يعفينا من بذل الجهد واضافة القيمة على اي شئ نفعله وتلك اخطر افات الامم ، التي تصيبها فتنخر في عضدها حتى تنهار كما هوت منسأة النبي سليمان به بعد موته اثر اكل دابة الارض فيها ، وما نحن الا كجمهور الجن لا يدري بما يجري الا بعدما ينتهي كل شئ . في سنوات الحرب الاهلية اللبنانية الاخيرة قبل نحو عقدين من الزمان ، بثت اذاعة صوت الشعب برنامجا للفنان اللبناني الموهوب زياد رحباني بعنوان "العقل زينة". كانت إحدى حلقات البرنامج بعنوان: الشعب اللبناني وبما أن لبنان في ذلك الوقت كان نموذجا مصغرا لكل الخلافات والصراعات العربية/العربية، والعربية/الاسرائيلية، وحتى الإقليمية والدولية، فقد كان الحديث عن الشعب اللبناني وكأنه حديث عن الشعب العربي بدأ زياد الحلقة بتقرير حقيقة بمبالغة فنية طبعا مفادها أن الشعب لم يعد يهتم بالقضايا الاساسية كالاستقلال والامن والوحدة الوطنية لصالح امور سطحية ومظهرية من احدث خطوط الموضة الايطالية الى السهر والرقص وخلص مغاليا ايضا الى ان الشعب لا هم له سوى تخريب كل شئ، ثم البكاء والعويل على ما دمر واتهام القوى الكبرى بانها المسؤولة طالما الجماهير لا حول لها ولا قوة. ربما يرى الفنان صورة اكثر حدة مما في الواقع الاجتماعي والسياسي، لكنه يلمح بموهبته ما قد يخفى على اعين كثيرين ومنذ ذلك الحين ونحن نسير في منحدر قيمي، كافراد وجماعات وشعوب، يغري بقية العالم باعتبارنا امة تنتهي ذلك ان قيمة العمل مرتبطة ببقية منظومة القيم لاي جماعة ، من اخلاص وامانة وصدق واعتراف بالخطأ ورغبة في التعلم واكتساب المهارات وتلك الامور هي التي تميز "القادة" عن "السوقة"، وليس المقصود بالقادة الحكام ولا حتى النخب ، بل كل فرد في المجتمع انما يكون قائدا بتبني القدرة على المبادرة والفعل وليس رد الفعل، وحتى في رد الفعل يكون التجويد والاضافة وليس مجرد "الاستسهال" القاتل. للاسف الشديد اصبح "النفاق" سمة اساسية في سلوكنا، ليس فقط النفاق السياسي بين الجماهير والحكومات ، ولكن النفاق الاجتماعي بين شرائح المجتمع المختلفة (فلم نشهد في مجتمعاتنا العربية تكوينات طبقية سليمة بمعايير علم الاجتماع) وحتى بين افراد التكوينات الاصغر من اسر وعائلات وقبائل بل ان الداء تغلغل حتى اصبح النفاق شخصيا ، فتجد المرء منا يكذب على نفسه حتى يصدق كذبه ويتصرف على اساسه، ويستسهل القاء اللائمة على الاخرين لا ادعي امتلاك وصفة سحرية تعيد شعوبا للالتزام بقيمها الايجابية، لكن هناك امثلة كثيرة لا تزال موجودة ، متناثرة هنا وهناك ، يمكن ابرازها لتكون نموذجا وليس بالضرورة على الطريقة الاميركية بالابهار بما يسمى "كتلة النجاح الحرجة"، التي تعد طريقة مبتكرة جدا في النفاق الاعلامي والتعليمي .