*الفرق بين علماء السيسى وعلماء صدعوا بالحق *عبدالناصر يسخر من علماء الأزهر ويقول عنهم أنهم يفتون بفرختين *مفتى الجمهورية يحرم استخدام شارات رابعة فى الحج ويسكت عن مجازر السيسى فى الشهر الحرام *علماء السلطة كانوا يؤيدون مبارك ونظامه لأخر يوم * علماء الأزهرفى الستينيات يروجون للإشتراكية ويصمتون على وقاحات الشيوعية سقط العشرات من الشهداء فى غرة ذى الحجة والناس تستقبل هذا الليال العشر من الشهر الحرام بالصوم والتقرب إلى والابتهال إليه بأن يخلصنا من هذه الغمة الجاثمة فوق قلوبنا والتى اغتالت أحلامنا ، وأدرك معظمنا أن مجىء بداية الشهر الكريم بالتزامن مع ذكرى النصر العظيم،كأنه أية على حدوث النصر، واحتشدت الناس فى كل شبر من القطر المصرى.. لا يهابون القتل التى يمارس ضد مؤيدى الشرعية ..الناس طلقت الخوف حتى آخر العمر .. لم تخف من عجرفة ضباط الشرطة الذين لم يستوعبون الدرس بعد، ولم يتعظون من الماضى، فأخيرا استمعنا إلى أحدهم وهو يصف عشيرته الضباط بأنهم الأسياد والشعب هم العبيد .. وحاولت بعض هذ الحشود التى بلغت الملايين، الوصول إلى ميدان التحرير للإحتفال بهذه اليوم العظيم وتذكر الضباط العظام، أسود العسكرية المصرية من أمثال: عبدالمنعم رياض، وأحمد إسماعيل، وسعد الشاذلى، ومحمد الجمسى، وعبدالمنعم خليل، وعبدالمنعم واصل، والفاتح كريم، ويوسف عفيفى، وأحمد عبود الزمر، وفؤاد عزيز غالى، وشفيق مترى سدراك وغيرهم، بعد أن رأوا اتباع السيسى من "الهتيفة" الذين كانوا يحتشدون لمبارك (بالروح بالدم نفيدك يا مبارك) وكانوا أباءهم يُحشدون بالحافلات من مديرية التحرير ومن الأقاليم ليهتفون لجمال عبدالناصر أثناء خطاباته التى كانت تستمر قرابة الثلاث ساعات ، كما كانت تفعل الست فى حفلاتها فى عهد جمال أيضا و(عظمة على عظمة ياست!!!).
ورأى الناس على الأثير الجثث المتراصة على الأرض فى مجزرة جديدة تذكرنا بما جرى فى مجازر الحرس الجمهورى، والمنصة، ورابعة، والنهضة، ورمسيس، ودلجا، وهى المعارك الشهيرة التى خاضها الجنرال السيسى ووضع بسببها فى سجل الخالدين إلى جانب القادة العظام الذين أذلوا شعوبهم أمثال: روميل، وهتلر، وستالين، ولينين، وموسولينى، وجمال عبدالناصر، ومصطفى كمال أتاتورك، وجوزيب تيتو، ولم يحتج أى عالم من علماء الأزهر والدعوة السلفية على هذه المجازر وهم الذين كانوا يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا أصاب غير مسلم نزلة برد أو رشح أو زكام أو أى مكروه، بل وجدنا هؤلاء يعتدون على شيخ الأزهر الحالى ومفتى الدم الأسبق أم دار عبادتهم الكبرى، وتبسم هؤلاء وأجروا لهم الأعذار ، أما نفس الأسخاص فقد اتهموا معارضى الأنقلاب العسكرى بأنهم بغاة وخوارج يستحقون القتل والحرق، ولم يحتج شيخ الأزهر على آلاف القتلى منذ حدوث الانقلاب الذى شارك فيه يوم 3/7/2013، وكان هذا الرجل يرفض لقاءات كثيرة واحتفالات يحضر فيها الرئيس محمد مرسى رغم أنه أبقى عليه ولم ينفذ مطالب الثورة المصرية العظيمة التى عارضها شيخ الأزهر ووقف ينفر الناس هو ورفيق دربه على جمعه مفتى الدم والعسكر ، لم يدن المجازر والمذابح التى حدثت بعد هذا الانقلاب الغاشم ولكنه نعى شهيد الشرطة فى كرداسة اللواء نبيل فراج، كأن من قتلوا يستحقون هذا القتل علما بأن النبى صلى الله عليه قام يوما لمرور جنازة رجل يهودى، ولكن القسوة التى تعلمها الرجل فى ردهات الحزب الوطنى ومعاشرة رجال المعروفين للكافة جعلته ينسى كل ما تعلمه فى الأزهر من مواقف لرجاله الذين وقفوا ضد كل ظالم وباغى فى كل العصور ولكن منذ قانون تدمير الأزهر 1961 عين العسكر الذين توالوا على حكم مصر على مدار ستة عقود ، الذى دجن الأزهر واحتوى بعض رجاله ضعفاء النفوس ومن أبى فكان مصيره خلف القضبان ..لذلك روج رجال الأزهر للإشتراكية فى الستينيات، ولا ننسى حينما تنحى مبارك وقف الشيخ على جمعه فى دار الإفتاء، وقال لمرءوسيه: "لا تقلقوا يا رفاق، فإن الرجل الصالح مبارك عائد لا محالة"، وهذا مما حكاه الشهيد عماد عفت قبيل رحيله، وقال هذا الرجل أيضاً : مبارك كان أعقل من مرسى والسيسى لا يريد دنيا لأنه رجل يخشى الله" وقد وازن الرجل بمنهجه الفاسد بين شفيق ومرسى فقال عن شفيق أنه أفضل عند الله من مرسى" ..نظام كهنوتى فاسد فاجر يبغيه الرجل!!! وقد نشرت مجلة الأزهر نص خطاب مبارك الذى سبق موقعة الجمل ونشر صورته بعرض الغلاف، وكان النظام البوليسى الفاسد قد أفسد الأزهر مما لم يجرؤ الاستعمار على فعله، لقد صادر هذا النظام البوليسى الفاشى أوقاف الأزهر، وألغى القضاء الشرعى الذى ظل فى البلاد يحكم طوال 14 قرنًا من عمر مصر، وشرد أعلامه وجعلهم ينخرطون فى القضاء المدنى الذى أبقى عليه ولم يتعرض له بسوء، وهو الذى أوجده الاستعمار مما يوحى بأن النظام الفاشى كان متناقضًا مع نفسه، وهو الذى دعا إلى القضاء على الاستعمار وأعوانه، وهنا هلل له بعض سفراء التغريب فى بلادنا، ويكتب طه حسين فى جريدة الجمهورية مقالاً بعنوان "الخطوة التالية"، ويعنى إلغاء الأزهر بحجة توحيد التعليم بعد توحيد القضاء، وهذا ما فعله الزعيم المهزوم إذ أصدر قانون تطوير الأزهر 103 سنة1961، وهذا القانون الذى عارضه آخر علماء الأزهر الأجلاء وهو الشيخ شلتوت الإمام العالم المجتهد. وسيطر عبد الناصر على هذا المعهد العريق، وتصدره أناس تحت الطلب، يروجون للاشتراكية والميثاق الذى ندد به العلماء فى الماضى، مثل كتب الشيخ محمد الغزالى، وامتلأت مجلة الأزهر بمقالات عن: "دعوة الميثاق الوطنى من دعوة الإسلام"، و"الاشتراكية فى الإسلام"، و"الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام"، و"الأصول الإسلامية لاشتراكيتنا العربية"، و"الاشتراكية تنبع من أعماق إيماننا"، و"القرآن صنع جماعة اشتراكية"، وغيرها من المقالات، كما سكت العلماء عن الإجرام الشيوعى الملحد الذى تصدر المشهد فى الصحف والمجلات والإعلام المرئى، فالهجوم على الإسلام كان يملأ الآفاق، ويمر مرور الكرام دون شجب رسمى من الأزهر، وقد كان علماء الأزهر من قبل ينتفضون ويتصدون لمكر القوم، وقد استقصى الدكتور محمد رجب البيومى وهو من كبار علماء الأزهر، أمرهم واستشهد بمواقفهم المشرفة فى كتابه "علماء فى وجه الطغيان"، وبلغت الوقاحة مداها حتى من الصحف القومية، وهذا مما ورد فى جريدة المساء فى مارس 1962، حيث ظهرت صورة كاريكاتيرية تمثل ديكًا ناشرًا جناحيه وتحته تسع دجاجات، وتحت الصورة التعليق التالى: "محمد أفندى والزوجات التسع"، وقد أثارت هذه الصورة استياء العالم الإسلامى، ولم يحتج المسئولون الأزهريون الرسميون الذين ظهروا فى ظل الميثاق، بل الذى احتج هم الشرفاء من الأزهر الأجلاء الذين تعلموا فى عهد مجده الزاهر، فنجد العظماء يصرخون فى وجه الظالم الجبار وهم: الشيخ محمد الأودن، والشيخ سيد سابق، والشيخ الغزالى، والشيخ محمد عبد الله الخطيب، والشيخ يوسف القرضاوى، والشيخ محمد أبى زهرة، وكانت لهم مواقف مشهودة، بعضهم تعرض للسجن، والآخر تعرض للإقصاء والنفى، وقد غضب الفرعون المهزوم جمال عبد الناصر على رجال الأزهر بعد صدور قوانين التأميم، لأن بعضهم أفتى بتحريم ذلك فقال فى إحدى خطبه يوليو1961: "إن رجال الدين يصدرون فتوى بفرختين، وأنهم أجراء للرجعية، وأجراء للإقطاع، وأجراء للرأسمالية".. وفى هذا الخطاب أعلن الرئيس جمال "أن الدولة التى أقامها سيدنا محمد كانت أول دولة اشتراكية، لأنه قال: الناس شركاء فى ثلاثة: الماء والكلأ والنار". ولما رحل جمال وسقطت دولته تراجع العلماء الذين بشروا بالاشتراكية فى عصره عن آرائهم، ورجعوا إلى صحيح الإسلام، عندما أحيلوا للتقاعد، مثلما يفعل العلماء اليوم، حينما يطلقون اللحية، ويتوددون إلى التيارات الإسلامية، والأمثلة كثيرة، واستمر بعض علماء الأزهر يؤيدون السلطة قلبًا وقالبًا، وقد رجع الأزهر لبعض مجده فى عهد الإمامين الجليلين عبد الحليم محمود، والشيخ جاد الحق على جاد الحق، إذ تصدوا لمكر العلمانيين والشيوعيين، وفتح الباب للتعاون مع الدول الإسلامية وإدانة العدوان على الأقليات المسلمة فى العالم، وإرسال الدعاة والمساعدات، والجزم فى التعامل مع هذه القضايا، وبالرغم من هذا كان الرئيس السابق يعلن تحيزه للتيارات المارقة، يشملهم بعطفه، ويخلع عليهم الألقاب ويعينهم فى أرفع المناصب، ويمنحهم الجوائز والمنح والدرجات، ويوفر لهم الأمن والأمان، فى حين طارد التيارات الإسلامية، الذين كان جلهم من الأزهر، ومن لم يتعلم فى الأزهر عاد إليه ليتعلم ويحوز أرفع الدرجات العلمية منه، والتيار الإسلامى نفسه كانت كوادره من كبار علماء الأزهر، ولقد عرض الإمام الشهيد حسن البنا، على العالم الجليل طنطاوى جوهرى صاحب "تفسير الجواهر"، لتوليه مرشد عام الجماعة، فرفض الرجل، واكتفى بعضوية مكتب الإرشاد، ومنهم الإمام الشعراوى، والسيد سابق، ومحمد الغزالى، وصلاح أبو إسماعيل، والباقورى، ومحمد عبد الله الخطيب، ومحمد الصغير، وطلعت عفيفى، ومازن السرساوى، وغيرهم الآلاف والآلاف، وكل هذه التيارات تتمنى للأزهر الازدهار والعودة به إلى سابق عهده الزاهر، الذين يحترمونه ويجلون علماءه المخلصين الذين يغضبون لله ولرسوله، ويكره التيار الإسلامى شيوخ السلطة الذين كانوا ينبطحون للسلطة البوليسية الغاشمة وينفذون له مطالبه، ولنا أن نرجع إلى الملحق الذى كتبه علماء الأزهر عندما سيق المخلصون إلى مقصلة الدجوى سنة 1966. رأى الدين فى أخوان الشيطان : كما فعل شيوخ العار اليوم وأيدوا الانقلاب العسكرى وإرجاع الأزهر إلى حضن أمن الدولة وإرادته التى تريد تحجيم دور الإسلام فى مصر لحساب غير المسلمين، فعل أسلافهم نفس الصنيع فكتب الشيخ عبدالرحمن تاج يؤيد مذابح ناصر والعسكر ضد الأخوان المسلمين بزعم أنهم خوارج وأدى الرجل دوره وسرعان ما عزله بجر قلم، وكتب بعض هؤلاء العلماء يؤيد الطاغوت فى فعلته، وقد صدرت هذه المقالات فى ملحق بمجلة منبر الإسلام (التى كان يشرف عليها الضابط الفاشى محمد توفيق عويضة، وأطاح به الإمام الشعراوى عندما تولى وزارة الأوقاف) بعنوان "رأى الدين فى إخوان الشيطان"، يصدم المرء لكلمات العلماء ومنهم شيخ الأزهر حسن مأمون الذى قال: "وإذا كان القائمون على أمر هذه المنظمات قد استطاعوا أن يشوهوا تعاليم الإسلام فى أفهام الناشئة، واستطاعوا أن يحملوهم بالمغريات على تغيير حقائق الإسلام تغييرًا ينقلها إلى الضد منه وإلى النقيض من تعاليمه، فإن الأزهر لا يسعه إلا أن يصوب ضلالهم، ويردهم إلى الحق"، نفس الأمر الذى جعل أغلب أعضاء مجمع البحوث الإسلامية فى عصر الطاغية مبارك يؤيد إقامة جدار فولاذى بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية التى يرتبط الناس فيهما بالنسب والمصاهرة والقرابة والمصالح المتبادلة، وبقاء الحياة؛ حيث يعتمد الفلسطينى على المصرى فى ظل الوضع المأساوى الذى صنعه الغزاة القتلة النازيون اليهود. وقد قالت جريدة «اليوم السابع» فى 29/12/2009م: إن شيخ الجامع الأزهر، أصدر تعليمات سرية لأساتذة ودكاترة جامعة الأزهر ورجال مجمع البحوث الإسلامية، بعدم الحديث «بتاتًا» عن مسألة ظهور العذراء، ومدى صحة هذا الظهور من عدمه. والسؤال هو: هل يستقيم هذا مع صحيح الدين؟.. وهل ذلك مؤشر يجيز للعامة والبسطاء الذين يعتمدون فى فهم الإسلام على ما يقوله العلماء أن يؤمنوا بخرافة ظهور العذراء؟.. وأن يخالفوا ما عرفوه من اعتقاد بأن المعجزات انتهت بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم؟.. وهل بيان ما نعتقده فى إسلامنا يعد سببًا لفتنة طائفية كما يزعم المذعورون والمنافقون والمنبطحون لغير الله؟.. رغم أن الإمام أبى زهرة والشيخ محمد الفحام شيخ الأزهر السابق وغيرهم من العلماء المخلصين قالوا رأى الدين بصراحة فى هذا الموضوع سنة 1968.
وفى يوم الأحد الماضى 6/10يوم المجزرة فى ذكرى النصر وقفت المؤسسة الأزهرية الرسمية ودار الإفتاء وشيوخ الوهابية السعودية وشيوخ حزب الزور الذين فاقوا ميكافيللى فى خداعه وعاره ، موقفا سلبيا متخاذلا تجاه ما حدث فى غرة شهر ذى الحجة ويفاجنا مفتى السيسى الذى كلفه بنشر فتوى مفادها بأن رفع إشارة رابعة على جبل عرفات يبطل فريضة الحج، ولميتطرق الرجل لحرمة الدم فى الأشهر الحرم وقد رد عليهم أحد شيوخ الأزهر العظماء وهو الباحث الإسلامي عصام تليمة عندما قال: "السيسى يقتل المصريين فى الأشهر الحرم وهو ما كان يمتنع عنه كفار قريش! كفار قريش كانت لا تقتل القاتل في الأشهر الحرم، فكان ابن القتيل يلقى قاتل أبيه في الأشهر الحرم ولا يجرؤ على رفع سلاح عليه لقتله، أما عبد الفتاح السيسي فلا أعرف أي ملة وأي دين يتبع، ولا حصل أخلاق كفار قريش، القتل للمصريين في الأشهر الحرم عادي، لا تحرموا هؤلاء المجرمين من الدعاء عليهم في صيامكم وقت إفطاركم بالدعاء بالاسم عليهم." نذكر علماء السيسى بمواقف شيوخ الأزهر الخالدة: كنا ننتظر أن يشارك علماء الأمة بقوة، والأزهريون فى القلب وينحازوا للحق فى هذا التوقيت العصيب التى تحياه مصر، ويمنعوا نزيف الدم الذى يراق فى الشارع اليوم، فلو نزلوا بقوة وضغطوا على الأطراف إذا خلصت النوايا لتجنبنا الكوارث التى حدثت والأرواح التى زهقت.. وعندما نطالع سيرة علماء الأمة فى الماضى البعيد والقريب، نندهش لسكوت العلماء فى الوقت الحاضر، لقد انتفض أسلافهم للصدع بالحق والذود عن المقدسات والاعتزاز بالإسلام، ومن هذه المواقف ما حدث مع الشيخ المراغى إمام التجديد والاجتهاد فى العصر الحديث، حينما صدع بالحق عندما خطب قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939، قائلاً: "نحن قادمون على حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل"، وكانت الخطبة مذاعة على الأثير، وانتفضت بريطانيا التى وقعت مع مصر معاهدة 1936، واتصل مندوبها السامى "لامبسون" برئيس الوزراء حسين سرى باشا يعنفه من تصرف المراغى، فعلى الفور اتصل بالمراغى الذى أحس بلهجة تهديد منه، فانفجر فيه قائلاً: "أمثلك يهدد شيخ الأزهر، والله يا حسين لو ارتقى المراغى منبر الحسين لجعلك بعد ساعة بين الناس". والحقيقة أن علماء الأزهر كان يقفون إلى جانب الشعب ولم ينفكوا عنه لحظة، ولم يحابوا السلطان على حساب هذا الشعب المصرى العظيم، ومنهم الشيخ الدردير الذى كانت له مواقف مشهودة قبيل مجىء الحملة الفرنسية، واضطر الرجل أن يجبر المماليك على احترام مقدرات الشعب، ومن هذا المواقف فقد حاجه الطغيان في مواقف كثيرة منها أنه ثارت مسألة في خلاف على وقف، ولم يكن للمسالة في ذاتها خطر خاص بل كان القصد منها نضالا على مبدأ قانوني، وهو هل يجوز للأمير القوى أن يثور بقوته على القانون؟ أم لابد للخضوع للقانون ولو كان خصمه ضعيفًا لا سند له من سلطان الدولة؟ وكانت الخصوصة بين رجل من أفراد الشعب وأمير من كبار الأمراء من عصابة الطغيان واعتصم الرجل الضعيف بالشريعة فلجأ إلى القضاء ولوح الأمير القوى بالقوة والبطش وحكم الشرع للرجل الضعيف فأبى الأمير الإذعان للحق فأدرك العلماء أن واجبهم يناديهم وهم ممثلو الشعب والطبقة المستنيرة من بالمحافظة على الحق والقانون، ولم يترددوا لحظة وذهبوا لنداء الواجب وتصدر فيهم الشيخ الدردير رحمه الله فأرعد الأمير وأبرق ووقف العلماء وثبتوا وقام الشعب من ورائهم يؤيدهم وكانت مظاهرة كبيرة، فأغلق الناس حوانيتهم لينظروا مآل النضال بين الحق والقوة، وأوشك الأمر أن يؤدى على فوضى شاملة لولا أن جزع عقلاء الأمراء من ذلك الاضطراب، فاجتمعوا وتشاوروا وأرسلوا إلى الأمير فلاموه وأمروه بالنزول على ما أراد القانون فأذعن - وهو كاره - بعد مشادةٍ عنيفةٍ، ولم يرض العلماء أن يفلت الأمر بغير حق مسجل فطلبوا أن يكتب لهم وثيقة بالحق المكتسب وكتب لهم صلحا رسميا به شروط على الأمراء وتعهد الحكام بالتزام ما يقضى به القانون. ومن مواقفه أيضا ما جاء في تاريخ الجبرتي أن الأمير يوسف الكبير منع الأوقاف الخيرية عن طلبة العلم من المغاربة، فرفعوا الشكوى إلى القاضي فحكم لهم بما يستحقون، وكبُر على الأمير أن يذعن فكتب الشيخ الدردير يطالبه بالإذعان، فطغى وبغى ورفض الطلب محتقرا من حمله فكان ما تحدث به الجبرتي حين قال "ووصل الخبر إلى الشيخ الدردير وأهل الجامع فاجتمعوا في صحنها وأبطلوا الدروس والأذان والصلوات وأقفلوا أبواب الجامع وجلس المشايخ بالقبلة القديمة وطلع الصغار على المنارات يكثرون الصياح والدعاء على الأمراء. وكانت وقفة عصيبة رجع فيها الحق إلى أصحابه على أيدي علماء الدين وفي مقدمتهم الشيخ الدردير. وموقف آخر للشيخ على الصعيدى وهو معاصر لعلى بك الكبير ، وكان الحكام يهابونه ويعملون له ألف حساب، وكان يتوسط لحل مشاكل العامة لدى هؤلاء الحكام دون أن ينتقص من مهابة عالم الدين، فهو لم يكن المفتى الملاكى لهم كما فى عصرنا الذى يفتى بقتل معارضيه كما يحدثاليوم، ومن المواقف التى ذكرها الجبرتى فى تاريخه "عجائب الآثار"، فقال عنه: "كان ذا مهابة توجب على علي بك الكبير أن يقبل يده وكان الشيخ يمنع شرب الدخان ويفتى بتحريمه فصار علي بك يحرص على أن يخفى أدوات التدخين إذا علم بمجيئه خشية من غضبه وكان الناس يلجأون إليه إذا مسهم الضر فيسجل شكاواهم في صحيفة خاصة، ويتحدث مع الحاكم في كل شكوى على حدة، ولا يلقي بالا لتضايقه البارز في قطوب وجهه، بل كان يصيح في وجهه قائلا "لا تأسف فالدنيا فانية وسيسألنا الله عن تأخرنا في نصحك إن لم نفعل" ثم يمسك بيده قائلا "أنا أخاف على هذه الكف من نار جهنم يوم الحساب" وقد لاحظ تلكؤه في إجابة بعض مطالبه فخرج غاضبا ونفر الناس وراءه وارتبك الأمير فحاول اللحاق به معتذرًا ،فأصر الشيخ على ألا يعود، وأخذ يتلو قول الله "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون" . وشارك علماء الأزهر فى كل المواقع التى خاضتها مصر ضد الاستعمار الغاشم، فقد كان الأزهر مهد الثورة ضد الحملة الفرنسية ووقف علمائه يجهضون أمانى قائد الحملة نابليون واستطاعوا فى النهاية أن يجبروه أن يهرب بليل كاللص ناجيا بنفسه إلى فرنسا، تاركا حملته تغوص فى المستنقع والوحل .. وكان لشيخ الأزهر عبدالله الشرقاوى موقفاً صريحاً من هذا العدوان، وعندما حاول نابليون أن يمنحه وسام الثورة الفرنسية ذا الثلاثة ألوان .. نزع الشيخ هذا الوسام من على صدرة ورماه على الأرض وداس عليه بالنعال، واستطاع الأزهر وعلمائه ومن خلفهم الشعب أن يجبر الفرنسيون على الانسحاب فى النهاية، وقد شارك الأزهر فى الثورات التى تبعت الحملة واستطاعوا أن يختاروا محمد على حاكما على مصر ورفض الوالى خورشيد باشا الذى بعث به السلطان العثمانى لولا أن محمد على لم يحفظ الجميل لعلماء الأزهر وحاول تطويعه ولكن هيهات، وعند اندلاع الثورة العرابية سنة 1882، شارك فيها ثلة من العلماء الأزهر منهم الشيخ محمد عبده، والشيخ حسن العدوى، والشيح محمد عليش، وغيرهم بل أن قائد الثورة أحمد عرابى كان من الأزهريين وعند اخفاق هذه الثورة تعرض العيد من هؤلاء الأعلام للبطش والسجن والنفى . وفى هذا الفترة تظهر مناقب لعلماء الأزهر منهم الشيخ حسن الطويل -رحمه الله - فقد كان من عزة النفس والثقة بالله على جانب رفيع ممتاز! دخل عليه رياض باشا وهو يدرس لطلابه بدار العلوم، فما غير موقفه أو بدل جلسته، وحين هم الزائر بالخروج قال له الأستاذ: لماذا لا أكون وزيرًا معكم يا باشا؟! فدهش الزائر وقال: أي وزارة تريد؟فقال:" وزارة المالية لاستبيح من أموالها ما تستبيحون!!" وكانت لطمة أليمة توجه إلى حاكم ارستقراطي لم يألف التهكم والاستخفاف! فخرج ثائرًا مهتاجًا، و استدعى ناظر المعارف (علي مبارك) ليعجل بفصله من وظيفته، ولكن يدا أعلى من يد (رياض باشا) تقف في وجهه فيتراجع عن غطرسته العاتية مدحورًا، وقد آثر ألاَّ يزور مدرسة أو معهدًا بعد ذلك! وموقف آخر لهذا الرجل العظيم الشيخ حسن الطويل، فقد طلب منه أن يرتدي ملابس خاصة ليقابل بها الخديو توفيق، وحان الموعد المرتقب، فجاء بملابسه المعتادة ومعه منديل يضم الملابس الرسمية، ثم قدمها للخديو قائلاً في بساطة: إن كنت تريد الجبة والقفطان فهاهما ذان، وإن كنت تريد حسن الطويل فهاأنذا حسن الطويل!! ثم قال الشيخ لجلسائه: كيف أتجمل لتوفيق بلباس لا أتجمل به لربي في الصلاة؟ وهذا لعمري منطق اليقين الجازم والإيمان العجيب. وأيضًا مما حدث مع الشيخ الجليل محمود عبدالوهاب فايد رئيس الجمعية الشرعية الأسبق عقب الهزيمة المذلة سنة 1387/1967، حينما طالب بمحاكمة الرئيس المصري عبدالناصر، فعزله من مناصبه بقرار جمهوري، وحاول بعض العلماء التدخل لدى الرئيس فأجابهم بشرط أن يحضروا منه التماساً بذلك، فذهب إليه الدكتور عبد الحليم محمود، أمين مجمع البحوث الإسلامية فى هذا الوقت، ليعرض عليه هذا الأمر فرفض الشيخ بإباء، وقال: "أنا طالبت بمحاكمته ولم أطالب بإدانته، وفي المحكمة تنكشف الحقائق"، ثم قال: "عندما أُخبرت بقرار الفصل بالهاتف صليت ركعتين لله"، ثم قلت: "اللهم فارزقني وأنا من اليوم عبد خالص لك، وقد استجاب الله لي وأراحني من الذهاب والإياب، وأنا لدي مكتبة عامرة بالكتب ورثتها عن آبائي وأجدادي واشتريت المزيد، فأنا أعكف على المطالعة والتأليف، ويأتيني من الرزق أضعاف ما كنت أتقاضاه من الوظيفة، وأحمد الله على نعمه، إنني أقول وقد وسّع الله علي، يالله: لقد أرادوا أن يذلوني فأعززتني، لا أذل وأنا عبدك؛ عبد العزيز، وأرادوا أن يضعفوني فقويتني، لا أضعف وأنا عبدك؛ عبد القوي، وأرادوا أن يفقروني فأغنيتني، لا أفتقر وأنا عبدك؛ عبد الغني". وهذا موقف جليل منه في زمن الطغيان.
وحينما كتب نقيب الصحفيين فى مصر تحت عنوان: "أنا أعارض الزكاة الجبرية"، هاجمه الشيخ فايد بشدة تحت عنوان "مع نقيب الصحفيين"، حيث ساق جملة من علامات الاستفهام لينتصر لوجهة نظره، وكل ما ساقه من تساؤلات تؤكد شيئاً واحداً، وهو أن سيادته فيما كتبه لم يقرأ حرفاً واحداً عن الزكاة كما وردت في كتب المسلمين، فقط هو كتب المقال ليقول مع غيره برفض اقتراح بتشكيل لجنة في وزارة الشئون الاجتماعية شكلت للبحث في إمكانية سن تشريع يجعل أداء الزكاة إجبارياً، فبدأ الشيخ خطابه له بدعوته للتفقه والعلم فيما يتعلق بالقضية موضوع المناقشة، ومن لطائف القول أن نذكر أن نقيب الصحفيين أرسل إلى الشيخ بعد نشر المقال يثني على ما كتبه الشيخ نقداً له ويظهر تراجعاً عن رأيه. ومنهم الشيخ عبدالمجيد سليم، شيخ الأزهر الأسبق، وكان جريئاً فى قول الحق، لم يداهن حاكمًا ولم يرض عن تصرفاته ولو كلفه هذا الكثير، فقد واجه نزوات الملك فاروق وسوء تصرفاته، وانتقد سفره الدائم إلى "كابرى"، و"مونت كارلو"، وجزيرة قبرص، ورحلاته الكثيرة كانت تتكلف الكثير، فى حين كان يضن على الأزهر، وقال قولته المشهورة: (تقتير هنا وإسراف هناك)، ويروي أنه وصل إليه سؤال من إحدى المجلات عن مدى شرعية إقامة الحفلات الراقصة في قصور الكبار، وقد حمل رسالة المجلة إليه أحد أمناء الفتوى في دار الإفتاء، ولفت نظره إلى أن المجلة التي طلبت الفتوى من المجلات المعارضة للملك، وأن الملك قد أقام حفلاً راقصًا في قصر عابدين، فالفتوى إذن سياسية، وليس مقصوداً بها بيان الحكم الديني. وتريد المجلة بذلك الوقيعة بينه وبين الملك، إلى جانب التعريض بالتصرف الملكي وصولاً إلى هدف سياسي. فقال فضيلته: وماذا في ذلك؟ إن المفتي إذا سُئل لا بد أن يجيب ما دام يعلم الحكم، وأصدر فتواه بحرمة هذه الحفلات، ونشرت المجلة هذه الفتوى مؤيدة بأدلتها الشرعية، وعلى إثر هذه الفتوى حدثت أزمة بين الملك والمفتي. ولا ننسى مواقف الشيخ المجدد، الفقيه، محمد أبو زهرة، إذ استدعاه يوماً حاكماً مستبداً، لا يقوى على الرأى الآخر، وقد زج هذا المستبد بالمخلصين فى غياهب السجون وشرد البعض، وعزل البعض الآخر عن تولى المناصب، ومنهم أستاذنا أبو زهرة، قال له: "إنك إقطاعى رجعى تؤلف الكتب وتتاجر بها"، فكان الرد الحاسم من الشيخ: "هى مؤلفات كتبتها لله، ولم تفرض على أحد، ولم تتول الدولة توزيعها قهراً على المكتبات ودور الثقافة الحكومية لتسجن فى الرفوف دون قارئ، وليكسب أصحابها من مال الدولة ما لا يحله الله"، فبهت الذى ظلم وادعى، لأنه كان فى مغرب حكمه بعد أن ابتلى بهزيمة نكراء.
وقع خلاف حاد بين الشيخ ونفس هذا الحاكم حول ما ذهب إليه الميثاق في شأن "الاشتراكية العلمية"، ورأي الشيخ فيها "المبادئ الشيوعية"، وحدث أن شارك في مناقشة رسالة دكتوراه في جامعة الأزهر للمرحوم الدكتور حسن صبري الخولي عن المسألة الفلسطينية، وبصراحة الشيخ المعهودة فيه، قال: "إن الرسالة عبارة عن بعض التقارير الخاصة برئاسة الجمهورية، وإن الطالب لم يكلف نفسه حتي بجهد ترتيب الصفحات أو حتى إصلاح الأخطاء اللغوية الفادحة"، وهمس أحدهم في أذن الشيخ بأن الطالب هو الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، فصاح أبوزهرة: "متحدث رسمي.. ممثل شخصي.. تلك مسميات في مكتب رئيس الجمهورية لا دخل لنا بها"، وعاقب الفرعون هذا الإمام، وصدرت قرارات مختلفة بحرمانه من التدريس في الجامعة، وإلقاء الأحاديث العامة وأغلقت أمامه أبواب التليفزيون والإذاعة والصحف، وانتهى بهم الأمر إلى أن قيدوا حريته في بيته. الشيخ عبدالحليم محمود رجل المواقف : وكان العالم الربانى عبدالحليم محمود مواقف مشهودة حفلت بها كتب التراجم والتاريخ ووقوفه فى وجه الطغاة والظالمين ومنها عندما واجه الشيخ عبد الحليم العديد من المواقف في حياته والتي نذكر منها عقب عودته من فرنسا وكان ذلك في رئاسة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان الشيخ عبد الحليم يرتدي "البدلة" وفي أحد الخطابات التي ألقاها عبد الناصر قام بالتهكم على علماء الأزهر وقال عليهم " إنهم يُفتون الفتوى من أجل ديكٍ يأكلونه"، وكانت الجملة السابقة بمثابة طعنة سددت للأزهر وعلمائه فغضب الشيخ عبد الحليم جداً وشعر بالكثير من الإهانة التي وجهت للأزهر وعلمائه فقام بخلع "البدلة" وارتدى الزي الأزهري، وطالب زملاءه أن يحذو حذوه فاستجابوا له كنوع من التحدي ورفع هذه الإهانة عن الأزهر وعلمائه. وموقف آخر يستحق الذكر عندما حاول السادات تقليص دور شيخ الأزهر وجعله تابعا لوزارة الأوقاف فقدم الرجل استقالته فانتفض العالم الإسلامى لها، ولم يعد إلى منصبه إلا بعد إلغاء الرئيس أنور السادات القرار وصدرت اللائحة التنفيذية التي تخوِّل للأزهر شئونه، والتي جاء فيها " أن شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر"، وخلال فترة رئاسته للأزهر عمل على التوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية، وأصبح للأزهر مواقف حاسمة في العديد من القضايا.
هذه عينة من مواقف هؤلاء العلماء الشجعان الذين صدعوا بالحق وقت الحق، وكنا نود أن يكونوا بيننا اليوم ليردوا مكر الماكرين، والملحدين الذين زكموا الأنوف فى كل مكان، والذين يسبون الإسلام ليل نهار، والأزهر صامت لا يتعرض إلا لسفاسف الأمور.. كنا نود أن نرى بيننا اليوم: محمد الغزالى، والشعراوى، ومحمد جلال كشك، ومحمد الخضر حسين، وعبدالحليم محمود، وجاد الحق على جاد الحق، ومحمد البهى، وأنور الجندى، والبهى الخولى، ومحمد أبو شهبة، والقائمة طويلة من الأعلام...