يخرج علينا البعض اليوم فى وسائل الإعلام للتنديد بمحاولة التيارات الإسلامية المتشددة خطف الأزهر والسطو عليه ووهبنته وسلفنته وأخونته، مثلما اختطفوا ثورة يناير من قبل على حد زعمهم.. يردد هذه المقولات الظالمة العلمانيون والليبراليون، الذين دعوا لإلغائه من قبل، ولطالما سخروا منه ومن رجاله وصوروهم بصورة ساخرة فى وسائل الإعلام، يتباكون اليوم على مكانة الأزهر، وهو أمر عجيب من هؤلاء، والعجيب أيضًا تخوف بعض علماء الأزهر الذين كان هواهم ومصالحهم الدنيوية مع النظام السابق الفاسد المفسد المستبد، الذى طغى فى البلاد فأكثر فيها الفساد، وهم ساكتون على ظلمه، يخلعون عيه أكاليل المدح والإطراء، ولا ننسى حينما تنحى مبارك يقف أحدهم فى دار الإفتاء، وقال لمرءوسيه: لا تقلقوا يا رفاق، فإن الرجل الصالح مبارك عائد لا محالة، وهذا مما حكاه الشهيد عماد عفت قبيل رحيله، ونشرت مجلة الأزهر نص خطاب مبارك الذى سبق موقعة الجمل ونشر صورته بعرض الغلاف، وكان النظام البوليسى الفاسد قد أفسد الأزهر مما لم يجرؤ الاستعمار على فعله، لقد صادر هذا النظام البوليسى الفاشى أوقاف الأزهر، وألغى القضاء الشرعى الذى ظل فى البلاد يحكم طوال 14 قرنًا من عمر مصر، وشرد أعلامه وجعلهم ينخرطون فى القضاء المدنى الذى أبقى عليه ولم يتعرض له بسوء، وهو الذى أوجده الاستعمار مما يوحى بأن النظام الفاشى كان متناقضًا مع نفسه، وهو الذى دعا إلى القضاء على الاستعمار وأعوانه، وهنا هلل له بعض سفراء التغريب فى بلادنا، ويكتب طه حسين فى جريدة الجمهورية مقالاً بعنوان "الخطوة التالية"، ويعنى إلغاء الأزهر بحجة توحيد التعليم بعد توحيد القضاء، وهذا ما فعله الزعيم المهزوم إذ أصدر قانون تطوير الأزهر 103 سنة1961، وهذا القانون الذى عارضه آخر علماء الأزهر الأجلاء وهو الشيخ شلتوت الإمام العالم المجتهد. وسيطر عبد الناصر على هذا المعهد العريق، وتصدره أناس تحت الطلب، يروجون للاشتراكية والميثاق الذى ندد به العلماء فى الماضى، مثل كتب الشيخ محمد الغزالى، وامتلأت مجلة الأزهر بمقالات عن: دعوة الميثاق الوطنى من دعوة الإسلام، والاشتراكية فى الإسلام، الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام، والأصول الإسلامية لاشتراكيتنا العربية، والاشتراكية تنبع من أعماق إيماننا، والقرآن صنع جماعة اشتراكية، وغيرها من المقالات، كما سكت العلماء عن الإجرام الشيوعى الملحد الذى تصدر المشهد فى الصحف والمجلات والإعلام المرئى، فالهجوم على الإسلام كان يملأ الآفاق ويمر مرور الكرام دون شجب رسمى من الأزهر، وقد كان علماء الأزهر من قبل ينتفضون ويتصدون لمكر القوم، وقد استقصى الدكتور محمد رجب البيومى وهو من كبار علماء الأزهر، أمرهم واستشهد بمواقفهم المشرفة فى كتابه "علماء فى وجه الطغيان"، وبلغت الوقاحة مداها حتى من الصحف القومية، وهذا مما ورد فى جريدة المساء فى مارس 1962، حيث ظهرت صورة كاريكاتيرية تمثل ديكًا ناشرًا جناحيه وتحته تسع دجاجات، وتحت الصورة التعليق التالى: "محمد أفندى والزوجات التسع"، وقد أثارت هذه الصورة استياء العالم الإسلامى، ولم يحتج المسئولون الأزهريون الرسميون الذين ظهروا فى ظل الميثاق، بل الذى احتج هم الشرفاء من الأزهر الأجلاء الذين تعلموا فى عهد مجده الزاهر، فنجد العظماء يصرخون فى وجه الظالم الجبار وهم: الشيخ محمد الأودن، والشيخ سيد سابق، والشيخ الغزالى، والشيخ محمد عبد الله الخطيب، والشيخ يوسف القرضاوى، والشيخ محمد أبى زهرة، وكانت لهم مواقف مشهودة، بعضهم تعرض للسجن، والآخر تعرض للإقصاء والنفى، وقد غضب الفرعون المهزوم جمال عبد الناصر على رجال الأزهر بعد صدور قوانين التأميم، لأن بعضهم أفتى بتحريم ذلك فقال فى إحدى خطبه يوليو1961: "إن رجال الدين يصدرون فتوى بفرختين، وأنهم أجراء للرجعية، وأجراء للإقطاع، وأجراء للرأسمالية".. وفى هذا الخطاب أعلن الرئيس جمال "أن الدولة التى أقامها سيدنا محمد كانت أول دولة اشتراكية، لأنه قال: الناس شركاء فى ثلاثة: الماء والكلأ والنار". ولما رحل جمال وسقطت دولته تراجع العلماء الذين بشروا بالاشتراكية فى عصره عن آرائهم، ورجعوا إلى صحيح الإسلام، عندما أحيلوا للتقاعد، مثلما يفعل العلماء اليوم، حينما يطلقون اللحية، ويتوددون إلى التيارات الإسلامية، والأمثلة كثيرة، واستمر بعض علماء الأزهر يؤيدون السلطة قلبًا وقالبًا، وقد رجع الأزهر لبعض مجده فى عهد الإمامين الجليلين عبد الحليم محمود، والشيخ جاد الحق على جاد الحق، إذ تصدوا لمكر العلمانيين والشيوعيين، وفتح الباب للتعاون مع الدول الإسلامية وإدانة العدوان على الأقليات المسلمة فى العالم، وإرسال الدعاة والمساعدات، والجزم فى التعامل مع هذه القضايا، وبالرغم من هذا كان الرئيس السابق يعلن تحيزه للتيارات المارقة، يشملهم بعطفه، ويخلع عليهم الألقاب ويعينهم فى أرفع المناصب، ويمنحهم الجوائز والمنح والدرجات، ويوفر لهم الأمن والأمان، فى حين طارد التيارات الإسلامية، الذين كان جلهم من الأزهر، ومن لم يتعلم فى الأزهر عاد إليه ليتعلم ويحوز أرفع الدرجات العلمية منه، والتيار الإسلامى نفسه كانت كوادره من كبار علماء الأزهر، ولقد عرض الإمام الشهيد حسن البنا، على العالم الجليل طنطاوى جوهرى صاحب "تفسير الجواهر"، لتوليه مرشد عام الجماعة، فرفض الرجل، واكتفى بعضوية مكتب الإرشاد، ومنهم الإمام الشعراوى، والسيد سابق، ومحمد الغزالى، وصلاح أبو إسماعيل، والباقورى، ومحمد عبد الله الخطيب، ومحمد الصغير، وطلعت عفيفى، ومازن السرساوى، وغيرهم الآلاف والآلاف، وكل هذه التيارات تتمنى للأزهر الازدهار والعودة به إلى سابق عهده الزاهر، الذين يحترمونه ويجلون علماءه المخلصين الذين يغضبون لله ولرسوله، ويكره التيار الإسلامى شيوخ السلطة الذين كانوا ينبطحون للسلطة البوليسية الغاشمة وينفذون له مطالبه، ولنا أن نرجع إلى الملحق الذى كتبه علماء الأزهر عندما سيق المخلصون إلى مقصلة الدجوى سنة 1966، كتب بعضهم يؤيد الطاغوت فى فعلته، وقد صدرت هذه المقالات فى ملحق بمجلة منبر الإسلام (التى كان يشرف عليها الضابط الفاشى محمد توفيق عويضة، وأطاح به الإمام الشعراوى عندما تولى وزارة الأوقاف) بعنوان "رأى الدين فى إخوان الشيطان"، يصدم المرء لكلمات العلماء ومنهم شيخ الأزهر حسن مأمون الذى قال: "وإذا كان القائمون على أمر هذه المنظمات قد استطاعوا أن يشوهوا تعاليم الإسلام فى أفهام الناشئة، واستطاعوا أن يحملوهم بالمغريات على تغيير حقائق الإسلام تغييرًا ينقلها إلى الضد منه وإلى النقيض من تعاليمه، فإن الأزهر لا يسعه إلا أن يصوب ضلالهم، ويردهم إلى الحق"، نفس الأمر الذى جعل أغلب أعضاء مجمع البحوث الإسلامية يؤيد إقامة جدار فولاذى بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية التى يرتبط الناس فيهما بالنسب والمصاهرة والقرابة والمصالح المتبادلة، وبقاء الحياة؛ حيث يعتمد الفلسطينى على المصرى فى ظل الوضع المأساوى الذى صنعه الغزاة القتلة النازيون اليهود. وقد قالت جريدة «اليوم السابع» فى 29/12/2009م: إن شيخ الجامع الأزهر، أصدر تعليمات سرية لأساتذة ودكاترة جامعة الأزهر ورجال مجمع البحوث الإسلامية، بعدم الحديث «بتاتًا» عن مسألة ظهور العذراء، ومدى صحة هذا الظهور من عدمه. والسؤال هو: هل يستقيم هذا مع صحيح الدين؟.. وهل ذلك مؤشر يجيز للعامة والبسطاء الذين يعتمدون فى فهم الإسلام على ما يقوله العلماء أن يؤمنوا بخرافة ظهور العذراء؟.. وأن يخالفوا ما عرفوه من اعتقاد بأن المعجزات انتهت بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم؟.. وهل بيان ما نعتقده فى إسلامنا يعد سببًا لفتنة طائفية كما يزعم المذعورون والمنافقون والمنبطحون لغير الله؟.. رغم أن الإمام أبى زهرة والشيخ محمد الفحام شيخ الأزهر السابق وغيرهم من العلماء المخلصين قالوا رأى الدين بصراحة فى هذا الموضوع سنة 1968. [email protected]