ما أحوج مصر في هذه الأيام إلي عودة الدور الوطني والديني للأزهر بعد أن انقلب كل شيء في بلادنا وصار المتطرفون ، شيوخاً يفتون باسم الدين ، وركب أنصاف المتعلمين علي قضية الدين ، فأفتوا ، وتحدثوا ، من غير علم رصين ، وفهم دقيق لأمور الدنيا والدين ، واستغلوا رايته لخدمة أغراض حزبية وسياسية بعيدة تماماً عن روح الدين ورسالته السامية ، إن مصر ، وبلاد العرب ، تحتاج اليوم إلي عودة الأزهر بعد أن طفح علي السطح - في أجواء ما سمي بربيع الثورات العربية - جماعات تدعي الإسلام وتتاجر به ، إن الأزهر هو رمز الوسطية ، ورفض التطرف والانتهازية السياسية وهو عين ما تحتاجه مصر اليوم.* إن الحاجة إلي عودة دور الأزهر تأتي أيضاً وسط أجواء الفتن والصراعات المذهبية التي تقبح وجه العديد من بلادنا العربية والإسلامية وفي مقدمتها مصر ، ووسط الدفع الأمريكي والإسرائيلي باتجاهها، لأنه يحقق للدولتين (أمريكا وإسرائيل) ما عجزا عنهما طيلة النصف قرن الماضي من هيمنة واحتلال؛ ووسط أجواء يلعب فيها بعض من يوصفوا ب (العلماء) - للأسف - وبعض الكتبة من تابعي الأنظمة الممالئة بدورها لأعداء الأمة، دوراً تخريبياً في تأجيج الصراع المذهبي بين السنة والشيعة واعتباره أهم وأخطر من الصراع الحقيقي في المنطقة وهو الصراع مع الاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي، وسط هذا جميعه نحتاج إلي (كلمة سواء) ، نحتاج إلي دور تقوم به المؤسسات الإسلامية ذات التاريخ الجهادي والتوحيدي للأمة، ولا نحتاج إلي هؤلاء المأجورين من (العلماء والكتبة) الذين لا يخدمون بأدوارهم سوي إسرائيل والولايات المتحدة ، ومن سار في ركابها من أنظمة الاستبداد والفساد في بلادنا، وعندما ننظر حولنا لا نجد سوي الأزهر الشريف بتاريخه الإسلامي المعتدل، خاصة في الستين عاماً الماضية، حيث نشأت علي أيدي علمائه ، دار التقريب بين المذاهب ، ولقد تعددت أنشطة دار التقريب بين المذاهب وتوسعت باتجاه تحقيق أهدافها رغم تأثرها بالظروف السياسية آنذاك (فترة الأربعينات من القرن الماضي) والتي أثرت عليها حتي جعلت مسيرة التقريب تتوقف في النهاية ، لكنها للحق لم تنحرف عن أهدافها ويكفي أصحابها والمشاركين فيها ما أنجزوه في سبيل هذه الدعوة خصوصا مجلة رسالة الإسلام التي صدر العدد الأول منها عام 1949م واستمرت حتي العدد 60 في عام 1972م وعندما نتصفح هذه المجلة العلمية المستنيرة تطالعنا أسماء عدد من العمالقة الأفذاذ أمثال: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ محمد رضا الشبيبي والسيد هبة الدين الشهرستاني والسيد صدر الدين الصدر ومحمد جواد مغنية والسيد مسلم الحسيني الحلي ومن الجانب السني شارك شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت والدكتور محمد البهي والأستاذ محمد عبد الله دراز والشيخ عبد المتعال الصعيدي ومحمد فريد وجدي والأستاذ عباس محمود العقاد ومن الشخصيات الإسلامية العامة من مصر والدول العربية شيخ الأزهر عبد المجيد سليم والشيخ الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين والذي كانت له جهود متميزة ومشكورة في هذا المجال والشيخ علي مؤيد إمام الشيعة الزيدية باليمن وأمجد الزهاوي من علماء العراق والحاج أمين الحسيني من مجاهدي فلسطين والشيخ الألوسي وغيرهم.وإذا كان علماء الشيعة الإمامية هم من وقفوا وراء هذه الحركة التقريبية ودعموا وشجعوا كل متعاطف معها لتفعيل أعمالها فقد أثمرت هذه الجهود عندما أصدر شيخ الأزهر الإمام الأكبر محمود شلتوت فتواه التاريخية بجواز التعبد علي مذهب الشيعة الإمامية باعتباره مذهباً إسلامياً خامساً يعتد به ، فهذه الفتوي أذابت جبالا من الكراهية والشك والمقاطعة بين أهم مذهبين في العالم الإسلامي : السنة والشيعة.لقد كان شيخ الأزهر وقتها واسع الأفق ، وكان علماء الأزهر يومها أصحاب رؤية وفهم سياسي وديني كبير ، ولم يكونوا طلاب مناصب أو باحثين عن مغانم صغيرة ، لقد كانت أمة الإسلام وقضاياها الكبري في الوحدة ومقاومة العدو الصهيوني ، هي جل همهم ، فأين الأزهر منهم اليوم ؟!