مازالت العملية الانتخابية مستمرة .. خلصت ضمائر مواطني مصر من قاطني محافظات المرحلة الأولي .. أفتوا بما في قلوبهم وصدورهم بعد معرفة معلوماتهم الانتخابية عبر ولوجهم للموقع الإلكتروني للعليا للانتخابات أو باتصال هاتفي ب 140 دليل أو تلقي رسالة علي هواتفهم النقالة تحوي معلوماتهم الانتخابية .. يؤدي الناخب طقوس الانتخاب من ذهابٍ للجنته الانتخابية ثم اللجنة الفرعية والتأكد من اسمه في الكشف والامضاء والمثول أمام قاضي اللجنة ومن قبله ضميره خلف ستار (لايوجد في كل اللجان الانتخابية بالمناسبة) ، يقف المصري ليدلي بصوته الانتخابي في انتخابات قيل عنها إنها عرس الربيع المصري رغم أننا في شتائه الجغرافي .. يفكر في شعار مصر تنتخب ويدعو الله ألا تنتحب ، وحين يتسلم استمارة الانتخاب يعمل عقله أمام هذه المعضلة : 149 مرشحاً فردياً فقط في استمارة الترشيح لدائرة واحدة فقط من تسع دوائر لمحافظة القاهرة والتي شاء حظه أن يكون أحد ساكنيها.. يسأل نفسه لماذا لم يكونوا 150 مرشحاً؟تتزاحم أمامه الرموز الانتخابية والتي من فرط كثرة المرشحين استحدثت لهم رموزاً جديدة لم تكن لتراها من قبل من عينة : فرشاة الأسنان / الجرار الزراعي / جراب النظارة وليس النظارة / الآلة الحاسبة / الريسيفر يليه طبق دش (الشيء بالشيء يذكر) / عربة المطافئ / زهر الطاولة / الميكروفون ، ويهتف في نفسه : (يالا السليقة المصرية المبدعة).تتوالي الرموز وتتحرك عيناه بينها وعقله بين عشوائيتها الكرافته للمرشح السلفي بجلبابه وذقنه ، والشاكوش للدكتور الجامعي ذي السمت والطبع الهادئ والذي شاهده ذات مرة في برنامج التوك شو .. يتوالي المتبارون علي تمثيل صوته وخدمته في البرلمان .. لا يعرف المنتخب أياً منهم حقاً وما هو تاريخهم الفعلي ، أيكونوا من الفلول أم من اللاعبين الجدد في مضمار السياسة؟ لم تكن الفترة كافية للبحث والتمحيص في برامج المرشحين المستقلين والأحزاب رغم الدعايات المكثفة والتي أقرت اللجنة العليا للانتخابات نفقاتها للمرشح الواحد بخمسمائة ألف جنيه (500000) و مائتي وخمسين ألف جنيه (250000) في حالة الإعادة .. ياله من مبلغ ضخم .. من أين لهم بتلك النقود ؟ هل جمعوها في التسعة أشهر الماضية؟نصف مليون جنيه بمثابة محيط أمام نقطة سيدفعها كغرامة لو لم يدل بصوته الانتخابي .. وهو السبب الأول والرئيسي وإن لم يكن الأوحد لحضوره هنا اليوم ، فربما سيكون هناك أمل لو أصبح إيجابياً وشارك مثلما يقولون .. لكن ال 500 جنيه تدمي الجيب (هو لاقيهم ؟ لذا يقرر المشاركة والذهاب .. خسارة في الحكومة).يسأل سيادة الناخب نفسه : أأختار صاحب الرمز الجميل .. أم صاحب الاسم الموحي بالثقة (سيستثني من ذلك مرشحين بأسماء زمارة والوحش) وسيستثني كذلك المرشح السكينة والمرشح العصا والمرشح السرنجة والولاعة والخلاط !!! .. أنتخب برقم الحظ السعيد 7 ؟ أم سأرفض مرشحاً شاء حظه العثر أن يكون رقمه 13؟أأنتخب من لا أعرفه وبهذا سأعطي صوتي لمن قد لا يكون جديراً به .. أأخالف ضميري؟ناخبنا العزيز لا يحبذ أن يعطي صوته لمن وجدهم خارج المدرسة والذين يصرون علي ممارسة حملاتهم الدعائية مخالفين القانون الذي يوقف ممارسة الدعاية قبل يومين من الانتخاب .. يقولون له : طبعاً عارف هتنتخب مين ، انصر الله وبلاش تبيع البلد لأموال الصليب ؟ ألا تريد أن يقام شرع الله في مصر ؟إزاء كل هذه الحيرة سرعان ما يقرر ناخبنا العزيز أن يحرق صوته بنفسه ، بيدي لا بيد الحكومة أو الأحزاب أو الائتلافات .. مازالت الحيرة تلازمه ، لكنه في هذه المرة يفاضل بين أي القلمين سيستخدم لإبطال صوته الرصاص أم الكوبيا؟وفي ورقة الانتخاب بالنظام الفردي هل يختار أقل أم أكثر من مرشحين اثنين وهو العدد المنصوص عليه لاتمام صحة صوته الانتخابي ؟ أما في ورقة الانتخاب بنظام القوائم فربما يختار أكثر من قائمة ولعله يفضل ألا يؤشر علي أي منها مطلقاً ، وحين يختار قائمة واحدة فقط وفق القواعد سيمضي علي الورقة باسمه أو رقمه القومي ليدل عليه . وأخيراً .. سيخرج من وراء الستار مبتسماً ويغمس اصبعه في الحبر الفسفوري تذكاراً لمشاركته في أول انتخابات مصرية نزيهة .