تشتعل بين آونة وأخرى حرائق في العديد من القرى في مصر، سواء في الصعيد أو الوجه البحري، وهو ما أرجعه البعض في هذه المناطق إلى قيام الجان بإشعالها انتقاما من أهالي هذه القرى الذين أصبح لديهم هوس كبير للبحث والتنقيب عن الآثار، وذلك بهدف الغنى السريع دون بذل أي مجهود، ما دفع الكثير من الدجالين لاستخدام حيلهم في النصب على هؤلاء. كما شهدت أعمال الحفر والتنقيب عن الآثار الكثير من الحوادث المتكررة، وعلي اختلاف أنواعها منها نشوب حرائق في المنازل التي تحتها آثارا أو موت عدد كبير من الأشخاص القائمين على عملية الحفر، بسبب القيام بالتنقيب بطريقة خاطئة ودون وعي منهم بطبيعة الأرض علاوة على أن عملية الحفر نفسها تتطلب أدوات ووسائل علمية. وقد تبادر السؤال إلى أذهان الكثير من المواطنين هل الحرائق التي تحدث سببها الجان أو لعنة الفراعنة التي تصب جام عضبها على كل من يحاول أن يكتشف حقيقتها كما يشاع لدى البعض؟ أم أنها حالات نصب مختلفة من بعض الدجالين الذين يجدون أمامهم أعدادا كبيرة من الطامعين فيقومون بالنصب عليهم بهذه الطريق لتسهيل مهمة الحصول على المال. محافظة قنا البداية كانت في قرية الترامسة بمركز قنا، البالغ تعداد سكانها 25 ألف نسمة، تعرضت لكم هائل من الحرائق بسبب قيام الأهالي بالتنقيب عن الآثار، والتي أرجع شيوخ القرية سببها لغضب الجان، بينما يقول أهالي القرية إن الجن يفعل ذلك للانتقام من المنقبين عن الآثار تحت منازلهم، فمنذ 15 يوما، وبدون سابق إنذار، بدأت الحرائق تلتهم بيتا تلو الآخر، ما أحدث حالة من الهلع والذعر بين السكان، وتحولت المنطقة إلى ما يشبه منطقة عمل، ووضع الأهالي براميل المياه وأكوام الرمال أمام المنازل للاستعانة بها في عمليات الإطفاء، إضافة إلى تلاوة القرآن الكريم المستمرة، في محاولة لصرف الجن والعفاريت عن المنطقة واتقاء لشرهم وانتقامهم. محافظة البحيرة أما في محافظة البحيرة، فلا يختلف الوضع كثيرا عن محافظات الوجه القبلي، حيث يستعين الأهالي بالدجالين الذين يعزفون على أوتار حساسه لدى الطامعين في الثراء السريع من أجل التنقيب عن الآثار. وأكد محمد فرج، من أبناء قرية دمتيوه مركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، أنه تعرض لعملية نصب من أحد الدجالين الذي تقابل معه بالصدفة، حيث أوهمه بأن منزله يوجد تحته كنز أثري، وسيجعله من أغنى أغنياء العالم. وأضاف: رجعت إلى منزلي أحلم بالثراء، وبعد أن أحضرت بعض المعدات والعمال لإعانتي على الحفر، وأخذ الدجال يعزم على المكان طوال الليل، بل طلب منى إحضار البخور والزئبق الأحمر، لكن ما أدهشني أنه طلب المال لشراء هذه الأشياء بنفسه، وعندما قلت له أشتريها أنا رفض بشدة، ما جعلنى أشك في أمره، ولكني وقعت فريسه لهذا النصاب حيث وافقت على إعطائه المال حتى نكسب الوقت وكان مبلغ 10 آلاف جنيه لكن سرعان ما اختفى ولا أعلم عنه شيئا حتى الآن. وأشار إلى أنه عندما سأل عنه عرف أنه نصب على أناس كثيرين، لافتا إلى أنه عندما روى قصته لإمام المسجد بالقرية فقال له: لا أحد يعلم ما في باطن الأرض، لأنه غيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، وأن الذي يدعي ذلك "دجال". الدكتور محمد عبد المقصود من جانبه يرى الدكتور محمد عبد المقصود، رئيس قطاع الآثار المصرية السابق، أن ما حدث هو نوع من الدجل ولا علاقة له ب"لعنة الفراعنة" أو "الجن"، مؤكدًا أن هؤلاء الطماعين الذي يرغبون في الكسب السريع، يقعون فريسة للدجالين والنصابين الذين يقومون بدفن بعض القطع في أماكن معينة حتى يوهمون ضحاياهم بأنهم على علم بهذه الأمور ولترغيبهم أكثر في البحث عن الآثار، وبالتالي يطلبون منهم المال الكثير. وأشار الدكتور عبد المقصود إلى أن عملية البحث عن الآثار أصبحت منتشرة بعد ثورة 25 يناير، وتتخللها الكثير من المخاطر والحوادث وتسببت في موت عدد كبير من الأفراد أثناء قيامهم بعملية الحفر، هذا فضلا عن الحرائق المتكررة التي تحدث بفعل فاعل لإيهام الناس بأنها بسبب غضب الجن، وهذا ما حدث منذ أيام في قرية الترامسة. وأرجع رئيس قطاع الآثار المصرية السابق، سبب هذه الحرائق إلى هؤلاء الدجالين النصابين الذين يحفرون في أماكن لا علاقة لها بالآثار، وحتى تسبك العملية يحرقون المنزل ويقولون إنه غضب من الجن للحصول على أموال من هؤلاء الطامعين وحتى لا تنكشف المسألة. وطالب عبد المقصود بإصدار قوانين رادعة تجرم البحث عن الآثار تصاحبها عقوبات مشددة لمن يحفرون في أي مكان دون تصريح أو ترخيص من الجهات المعنية. ويشير د. مصطفى خالد، رئيس المتحف الإسلامي السابق، إلى أن هناك هوسا للبحث عن الآثار الفرعونية أكثر من الإسلامية؛ لأن أغلبها يكون من الذهب والتماثيل ذات قيمة مادية عالية، وهناك أناس كثرون بالفعل يوجد تحت منازلهم مقابر وبالتالي يضطرون للاستعانة بالدجالين الذين يستخدمون البخور والزئبق الأحمر وبعضهم يستخدمه بشكل خاطئ، ما يتسبب في إحداث الحرائق، وأحيانا تكون بفعل فاعل لكن في نهاية الأمر فهذه كلها خزعبلات. نقابة الأثريين وهذا الرأي أكده الدكتور صلاح الهادي، منسق عام نقابة الأثريين تحت التأسيس، معتبرا أن ما يحدث هو نوع من النصب ولا علاقة له بعلم الآثار، خاصة أنهم يستخدمون مجسات للبحث عن الآثار في بطن الأرض بشكل خاطئ ما يضر بالمكان، ودائما ما يختار النصاب الفرد الطماع حتى يكسب من ورائه، وبالتالي يحفرون دون طريقة علمية مما ينتج عنه كسر وحدوث خلل في هذه الأماكن، وهذه مشكلة الآثار التي تخرج من مصر بطريقة مهربة، ويضيف أما ما يحدث من حرائق فغالبا ما تكون بفعل فاعل إما نتيجة اختلافهم على شيء أو قيام الدجال بترهيب أهل المنزل. ويقترح منسق عام نقابة الأثريين أن تقوم الدولة بعمل حافز مجزي لكل من يعلم أن تحت منزله مقبرة أو آثار حتى نتفادى هذه الحوادث، مؤكدا أن عملية إخراج الآثار من أماكنها يتطلب علم ودراسة مثل علم الحفائر. وأرجع الدكتور صلاح الهادي حدوث هذه الحرائق إلى حدوث ماس كهربائي أو فعل فاعل، مؤكدا أن مصطلح لعنة الفراعنة اخترعه الناس لأنه عندما يكون في المقابر أشياء عفنة، لأن الفراعنة كانوا يضعون مع المتوفى كل أشيائه، وهناك أطعمة هي لاتخضع للتحنيط وتتعرض للعفن الشديد، وعندما يفتح أحد المقبرة يتعرض للموت جراء هذه الروائح السامة المتواجدة منذ مئات السنوات. ويقول الدكتور سعيد مغاوري، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة المنوفية إن الحرائق تحدث نتيجة مواقد النار والزيوت المستخدمة والمعروف أن الريف المنازل به قريبة من بعضها البعض وأغلب الأسطح بها قش" الأرز والحطب" مما يعمل على زيادة الإشتعال وإحراق أكثر من منزل، لكن لو كان الأمر بسبب الجان لكان من السهل عمل شعبة الجن بالآثار، منوها بأن ما حدث في سوهاجوقنا من حرائق كانت بسبب وقود النيران وبعضها كان بفعل فاعل للتهرب من الشرطة، وهذا يحدث في القري الفقيرة جدًا ولم يحدث في الأقصر أو أسوان أو منطقة الأهرامات.