منذ خطاب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضى, وكثير من التساؤلات تدور فى وجدان وعقل المصريين, لماذا كل هذا التطاول والتجرؤ والتدخل فى الشأن المصرى من قبل الرئيس التركى, وما السيناريو المتوقع أن تصل إليه العلاقات المصرية التركية, وأخيرا وليس آخرا ما هى الطرق التى يمكن الرد بها على هذا الخطاب الذى أقل ما يوصف به أنه خطاب مغلوط ومضلل.. كل هذه الأسئلة يجيب عليها الدكتور نشأت الديهى أستاذ العلوم السياسية والخبير فى الشأن التركى ومؤلف كتاب تركيا القمع المتوضىء.. الذى يقول عنه مؤلفه إنه محاولة للبحث عن حقيقة الموقف التركى حيال الثورات العربية بشكل عام وتجاه ثورة مصر الأولى 2011، وثورة مصر الثانية فى 30يونيو 2013 بشكل خاص، والدور التركى تجاه بلاد الشرق فى إطار مخطط دولى لرسم خريطة إقليمية جديدة على حساب القوى التقليدية، مصر والسعودية. ويكشف الديهى فى كتابه كيف كانت السياسة التركية تسير وفق المسارات المرسومة تاريخيا للحفاظ على العمق الإستراتيجى للدولة التركية فى العلاقة التركية مع إسرائيل كخيار إستراتيجى لا حياد عنه ولا مجال للمناورة السياسية تجاهه..النهار حاورته حول بعض الرؤى والقضايا المتعلقة بموقف أردوغان من مصر وسياسته الغريبة فكانت سطور الحوار التالي: أليس غريبا أن يتطاول الرئيس التركى على مصر ورئيسها أثناء انعقاد الدورة ال69 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؟؟ الخطاب التركى كان متوقعا خاصة بعد سلسلة سابقة من التطاولات التى مارسها أردوغان طيلة الأشهر الماضية. ثم تأتى الفرصة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليستغل الجمع الغفير من جميع أنحاء العالم ليشهر بمصر ويروج لأكاذيبه, فهو بدأ بالهجوم على الثورة ثم على الرئيس عبد الفتاح السيسي, وكل ما قاله أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سبق وأن قاله فى مناسبات مختلفة, فسلوكه بالنسبة للقضية المصرية التركية لا جديد فيه. وخطاب أردوغان يؤكد أنه لن يتغير فى علاقته بالسلطة المصرية طالما تواجد فى الحكم وستستمر العلاقات المصرية التركية مأزومة وبها توتر شديد وتصعيد دائم . هل أسلوب أردوغان الخطابى له دلالات تنسحب على شخصيته؟ سماته الشخصية أنه عنيد ومغرور ويعيش فى حالة الملهم والقائد الزعيم للتيارات الإسلامية الراديكالية فى العالم ويسوق لنفسه أنه حاكم الشرق وحاكم المسلمين. ماهى الأجندة التى كان يحملها أردوغان أثناء توجهه للأمم المتحدة لإلقاء خطابه؟ أردوغان ذهب للأمم المتحدة ولديه بعدان .. أولهما الدولة التركية وما تمليه عليه مصالح دولته وعدم توسيع دائرة الخلاف مع مصر خاصة وأن أمريكا حليف تركياعلاقتها بمصر تتجه نحو التحسن . البعد الثانى النرجسية السياسية التى تمتع بها أردوغان ليثبت للتيار الإسلامى الراديكالى المتشدد أنه الوحيد الذى يقف أمام السيسي وفى وجه أمريكا كنوع من تعدد الدلالات. ومنها ولاؤه للتنظيم الدولى للإخوان.. وقد أعلى المصلحة الشخصية وأراد أن يحتفظ بكبريائه وغروره ويسوق لنفسه أمام التيارات الموجودة فى البلدان المحيطة به. ما الدليل على أن أردوغان قام بإعلاء مصلحته الشخصية على مصلحة بلده ؟ منذ بدء جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة وتلقي الجانب المصري طلبا يفيد برغبة الجانب التركى الجلوس مع الجانب المصرى, وهذا معناه أن الجانب التركى يرغب فى التهدئة, ولكن خطاب أردوغان قلب الأمر رأسا على عقب, فكان المتوقع أن يتحدث أردوغان عن مشاكل بلاده الداخلية أو عن تنظيم داعش, مبتعدا عن الشأن المصري, لتحسين العلاقات, لكنه دائما يضع رئيس مصر فى أولويات أطروحاته وموضوعاته, وكأن دوره الوحيد على الكرة الأرضية مواجهة ومقاومة مصر ورئيسها, وهو بذلك تصرف بشكل استبدادى وشخصى . هل مفردات الخطاب لها دلالات خاصة؟؟ الخطاب يحتوى على تزييف للحقائق ودغدغة للمشاعر فأردوغان لم يكن يوجه خطابه لمن فى القاعة ولا يهمه من يجلسون وإنما كان يخاطب جماهيره من التنظيم الدولى للإخوان المتواجدين فى قطر وتونس وأفغانستان ومصر, وسوريا حتى المفردات التى استخدمها والكلمات تؤكد أنه سيستمر على هذا النهج ولن يتراجع ولو فعل سيسقط سياسيا, سواء فى نظر مؤيديه أو معارضيه. هل هناك انقسامات داخل الحكومة التركية بخصوص العلاقة مع مصر؟؟ هناك العديد من الأصوات داخل حزب الحرية والتنمية ترفض توسيع هوة الخلاف بين تركيا ومصر فالحسابات السياسية لها أهمية كبرى لدى الدول, وكان لابد لأردوغان أن ينصاع لنصائح مستشاريه. فكان الأفضل له تجميد الخلاف, لكنه وضع كثيرا من رجاله فى مأزق عندما تصرف بشكل شخصى وتهجم على مصر ورئيسها. ماذا ترى فى مستقبل العلاقة المصرية التركية دبلوماسيا؟ العلاقة الدبلوماسية الآن بين مصر وتركيا فى أدنى مستوى دبلوماسي لها وقد تكون الخطوة القادمة هى.. قطع العلاقات وهذا الإجراء دائما ما يسبق حالة إعلان الحرب على الدولة, ولكنني أستبعد هذه الخطوات. كخبير فى الشأن التركى ما الذى تراه واجبا اتخاذه تجاه الحكومة التركية ردا على إهاناتهم المتتالية ؟ أرى أن الخطوات الاستباقية هى السبيل الأمثل والأفضل للرد على تجاوزات الرئيس التركى, فيجب ألا ننتظر الهجوم لنرد, وبالتالى فهناك العديد من الملفات التى يجب أن تفتح فورا دون انتظار خطأ آخر فى حقنا.. وأول هذه الملفات مذابح الأرمن المتورط فيها الأتراك ولابد من تحسين علاقتنا مع أرمينيا بعمل زيارات متبادلة بين الرئيسين والسعى لإحياء هذه المأساة وتدويلها والمطالبة بالتحقيق فيها, وسيكون هذا الأمر عنيفا للغاية لتركيا. ثانى الملفات تنامى العلاقات مع اليونان, فهناك علاقات حسنة ولكن يجب توطيدها, فاليونان بالنسبة لتركيا كإسرائيل بالنسبة للعرب وبتدعيم علاقتنا بها يكون هذا قلقا دائما للحكومة التركية. أما الملف الثالث فهو الرد بالمثل فكما تقوم تركيا بإيواء الفارين من العدالة من الإخوان وغيرهم من المصريين على أراضيها, وكما تفتح لهم أبواقا إعلامية وقنوات فضائية جديدة يمارسون من خلالها التجرؤ على مصر وعلى رئيسها, فيكون الرد بالمثل تقوم مصر باستضافة حزب العمل الكردستانى والأحزاب المعارضة لحكم أردوغان خاصة حزب العمل الكردستانى المصنف حزبا إرهابيا من جانب الحكومة التركية.. هل من الممكن أن تتحسن العلاقات المصرية التركية قريبا؟؟ أنا على يقين أن أردوغان بوضعه الحالى ومرجعيته الفكرية لن يتوقف عن إساءته لمصر ولا الرئيس المصرى والحالة الوحيدة التى يمكن التوقف فيها عن تطاولاته هى التدخل الأمريكى والضغط على أردوغان, خاصة فى ظل نمو العلاقات الإيرانيةالأمريكية, وخاصة بعد تصريح روحانى الرئيس الإيرانى منذ أيام أن إيران قدمت تنازلات وتعلم أن الدول الكبرى ستساعدها فى حل مشكلاتها, وإيران يتم تجهيزها من خلال أمريكا لتكون بديلا لتركيا فى المنطقة.