حالة من الاستياء والغضب الشديدين عمت الأوساط الثقافية فور تأييد حكم حبس الكاتب الروائى كرم صابر خمس سنوات بسبب روايته "أين الله" التى اتهمه بعض المواطنين خلالها بازدراء الأديان، الأمر الذى حذر خلاله المثقفون من عودة شبح التضييق على الأدباء والمفكرين وأصحاب الرأى وقضايا الحسبة ومصادرة حرية الرأى والتعبير التى حماها الدستور فى المادة 67 والتى تنص على: "حرية الفكر والرأى مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر". من جانبه قال الشاعر سمير درويش، رئيس مجلس تحرير مجلة الثقافة الجديدة: سوف أتحدث هنا عن مستقبل الحريات بشكل عام بعد بدء الحراك الثورى فى 25 يناير 2011، فى الأساس ضد تغول الدولة البوليسية، وتجبر أجهزة الأمن التى انتهكت حياة وأسرار وحريات الناس فى مصر، وإهانة كرامتهم بدون مناسبة، بدليل أن الداعين له اختاروا يوم "عيد الشرطة" واسم "الغضب". وأضاف درويش: لذلك كان متوقعًا أن تكون أولى ثمار هذا الحراك، الذى شارك فيه نصف المصريين، أن يتمتع الإنسان بالأمن، وأن تصان كرامته، وتحفظ حريته فى الإبداع وفى إبداء آرائه دون أن يتعرض لأذى، ما دام يتبع الطرق السلمية. المفجع أن أكثر شيء أضير بسبب هذا الحراك هو الأمن وحرية الرأى والأمان الشخصي، سواء أكان على يد البلطجية الذين يعيثون فسادًا دون رادع، أو على أيدى أجهزة الدولة المختلفة، تلك الدولة التى تركت وتناست كل واجباتها، وتفرغت لإيذاء الناس والتضييق عليهم. حدث هذا وقت حكم المجلس العسكرى حيث تم الاعتداء البدنى على الشباب، ومحاكمتهم محاكمات سريعة أمام المحاكم العسكرية، وسجنهم وتعذيبهم وقتلهم. وتابع درويش: امتد ذلك أيام حكم الإخوان الذى ثار عليه المصريون، حيث استخدم النظام ميليشياته لقهر المعارضين وضربهم وتعذيبهم، بل وإطلاق النار عليهم. لكن الذى لا يمكن تصوره، ولا قبوله، أن تستمر الدولة فى نفس ممارساتها بعد 30 يونيو 2013، وكأنها لم تتعلم الدرس، فمازالت تمارس القمع والتعذيب، وتسجن الثوار بقسوة، ويعتدى الأمن على السجناء العزل المقيدين، ويتم ربط المرضى بأسرتهم بكلابشات، بينما يعامل المجرمون كفاتحين، وتتم تبرئتهم من كل خطاياهم. فهل يعقل أن يحبس شاعر عبر عن رأيه بشكل سلمي، بينما يطلق سراح القاتل والسارق والناهب، والذى ملأ الأرض جورًا وفسادًا؟ هل يعقل أن يحدث هذا سوى فى دولة فقدت أول شروط وجودها؟ مع الأسف نحن نشهد تدهورًا مستمرًا على صعيد الحريات العامة والخاصة، ومزيدًا من التضييق على الناس وإرهابهم، وأتصور أننا سنشهد المزيد والمزيد. بينما قال الروائى والقاص فؤاد قنديل: إن قرار حبسه قاس جدًا، ويضرب حرية الإبداع فى مقتل، معربا عن غضبه من تجاهل المذكرات التى قدمها عشرات المثقفين فضلاً عن الأجهزة الثقافية الرسمية ومنها المجلس الأعلى للثقافة والتى تؤكد براءة "صابر". وأضاف قنديل: كنت أتمنى لجوء المحكمة الى الخبراء المختصين فى الأدب والنقد كما تفعل بالنسبة لكل القضايا الطبية والعلمية والصناعية والعقارية، معربًا عن خطورة حبس "صابر" على الثقافة المصرية بشكل عام وعلى حرية الرأى والتعبير بشكل خاص، مضيفا أن حبس الكاتب سوف يفتح الطريق لإرهاب الكتاب وردعهم. فى حين قال الكاتب محمد مستجاب: إن تأييد حكم حبس الكاتب كرم صابر، يؤكد أن مصر تعود للخلف بقوة، جميعنا نلاحظ هذا على جميع المستويات وخاصة المستويات الأخلاقية والسلوكية للشعب المصري، وإذا كان الأدب بجميع أنواعه احد الروافد التى تنبه وتشير لهذا الخلل وكيفيه علاجه، فإن العمل الأدبي" أين الله" وبعنوانه الاستفهامى المباشر، يبحث عن إجابات لأسئلة ربما تكون محيرة أو ساذجة أو إعادة الإجابة عنها، ونعود للحكم الصادر، فإننا ونعلم هذا أن الإبداع دائما يسبق أى نقد وأى اتهام وبالتالى فإننى ارفض هذا بشدة وارفض أى حجر على رأى كاتب أو أى ابداع يقدم، وليس من حق المحكمة من الأساس ان تنتقد او تقدم هذا للعمل الأدبي، فيوجد لدينا نقاد ومبدعو قادرون على الرد عن هذا. وتساءل مستجاب: هل سيأتى وقت بدلا من أن أقدم عملى الإبداعى لجريدة او مجلة أو ناشر أقدمه لأمين سر فى محكمة حتى يطلع عليه او أمين شرطة او أى شيء من هذا القبيل كى يصدر رأيه على العمل الأدبي، هذه كارثة بكل المقاييس ومسمار قوى فى نعش الفكر المصرى وليست الثقافة فقط. أما الكاتب والشاعر محمود قرنى فقال: أتصور أن تأييد حبس الكاتب والحقوقى "كرم صابر" واستمرار حبس الشاعر "عمر حاذق" يمثلان نكوصا خطيرا فيما يتعلق بحرية الرأى والتعبير. ولا أفهم ، كما لا يفهم غيرى ، استمرار وقوع مثل هذه الانتهاكات بعد ثورتين مجيدتين ودستور أجازه الشعب بشكل كاسح وغير مسبوق . فكرم صابر وعمر حاذق لم يطلبا التغيير بقوة السلاح ، أو بالخروج الجارح على سلطته ، بل يسعيان عبر أداة التعبير الأكثر إنسانية وأخلاقية ، أى عبر اللغة ، ومن ثم فإن أداة الرد عليهما يجب ألا تكون سوى بالحوار ، وليس عبر مثل هذه الأحكام الجائرة والقاسية التى تعزز مناخات المصادرة والإقصاء والاستئصال من جديد. وأضاف قرني: إن ما يحدث يشكل عارا ونكوصا مضافا فى سجل الدولة الجديدة التى يجب أن تسعى لتجاوز ماضيها القمعى . فعودة محاكمات من هذا النوع تؤكد أن مكارثية جديدة تقبع خلف الخطاب السياسى المداهن الذى نسمعه ليل نهار ، وتظهر تناقضا خطيرا بين مؤسسات الدولة التى اعتقدنا أن مستويات وعيها أصبحت أكثر انضباطا وأخلاقية . فكيف يسجن كاتب بسبب مجموعة قصصية لا تلائم أذواق فئة محافظة وماضوية حتى لو كانت هذه الجهة هى الأزهر الشريف ؟ وكيف يسجن شاعر لأنه أبدى تعبيرا سلميا ضد السلطة الحاكمة؟ هذه كلها أسئلة تقف فى موقع الاستنكار ، فما يحدث نذير بأن مستقبل الحريات العامة برمتها سيكون عرضة للانتهاك ، ما يعيد إلى الأذهان التاريخ العربى الدامى الذى سار فيه الخلفاء على جثث العلماء والشعراء والفقهاء الذين طالما اختلفوا معهم . أتمنى أن ينتبه من بيدهم الأمر إلى هذا الخطر الداهم. وشدد قرنى على خطورة ما يحدث قائلا: لابد للرئيس عدلى منصور أن يتدخل فورا لإصدار عفو عام عن الكاتبين السجينين ، كما أنه لابد من إعادة النظر فى ترسانة القوانين المنظمة لممارسة حرية الرأى والتعبير بما يتوافق مع الضمانات التى أقرها الدستور الجديد . من جانبه أكد الأديب كرم صابر أن تأييد الحكم الصادر بحبسه خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان اليوم، كان صادما بالنسبة له ولم يتوقعه على الإطلاق. وأضاف صابر: لقد قدمت كل الدفوع القانونية والفنية والأدبية التى تبرئنى من هذا الاتهام، بما فيها شهادة من وزارة الثقافة تشيد بالرواية باعتبارها تدعو للحب والسلام والبراح بين الناس جميعا. وأشار صابر إلى أنه بصدد اتخاذ إجراءات استئناف الحكم، خاصة أن المادة 67 من الدستور الجديد تمنح المبدع والناشر كامل الحرية فى تقديم أعماله الأدبية. يُذكر أن كرم صابر يحاكم بتهمة ازدراء الأديان، عن مجموعة قصصية بعنوان "أين الله"، كان محمد سيد طنطاوي، المحامى وآخرون، قد تقدموا ببلاغ رقم 660 لسنة 2011 ضد "كرم صابر"، إلى المستشار حمدى فاروق، المحامى العام الأول لنيابات بنى سويف السابق، طالبوا فيه بسرعة سحب هذه المجموعة من الأسواق ومصادرتها، كما تم إخطار مشيخة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء بسرعة مصادرة هذا العمل الذى يتعدى على الذات الإلهية، ويتهكم على الشريعة الإسلامية وفرائضها، ويسب الذات الإلهية، بحسب بلاغهم. يذكر أن هذه المجموعة تضم 11 قصة طبعت عام 2010 بمطبعة "نفرو" للنشر والتوزيع، تحت رقم إيداع 21188/2010 وترقيم دولى 8-74-6196-977 . واتهم مقدمو البلاغ الكاتب بالتطاول على الذات الإلهية، والسخرية من بعض أحكام الإسلام كالميراث والصلاة والدعاء والصراط، ووصف الخالق عز وجل "بالمقامر". والجدير بالذكر، أن كرم صابر كاتب ومحام مصري، ولد عام 1964، وعمل بالحرف والمهن اليدوية مثل ورش الطوب والبيارات وجمع المحاصيل وامتهن صناعة المحاريث والسواقي، وامتهن المحاماة عام 1989، وأسس مركز الأرض لحقوق الإنسان بالقاهرة عام 1996