في ظل التوترات السياسية والاقتصادية التي تمر بها مصر خلال هذه الفترة ، سيطر الغموض علي صفقة بيع البنك الأهلي سوسيتيه جنرال لبنك قطر الوطني، والذي لم تتضح معالم بيعه حتي الآن، لتتزايد بذلك التساؤلات علي الساحة الاقتصادية حول السبب الرئيسي وراء إقدام بنك قطر الوطني علي الاستحواذ علي أسهم البنك الأهلي سوستيه جنرال، لاسيما وأنه قد تقدم أيضاً خلال الفترة الماضية للاستحواذ علي أسهم بنك "باريبا مصر" ومن قبله " بيريوس - مصر" ما يطرح علامات استفهام عديدة حول الهدف من الصفقة والسعي لصفقات مشابهة تتعلق بالقطاع المصرفي . لهذا السبب وغيره تكشف "النهار " عن جميع تفاصيل صفقة بيع أسهم البنك الاهلي سوستيه جنرال للبنك الوطني القطري لاسيما في ظل الازمة الاقتصادية التي تمر بها مصر منذ اندلاع الثورة المصرية 25 يناير، ومعرفة السبب الرئيسي وراء صفقة البيع، وهل هناك علاقة بين فرض ضرائب علي المخصصات البنكية وبين هذه الصفقة أم لا ؟ وإذا كان هناك أسباب أخري وراء هذه الصفقة فما هي ؟ وكم يبلغ سعر السهم عند بيعه ؟ ، وهل وافق مالكي الأسهم بالبنك علي البيع أم لا؟ في البداية من الضروري الإشارة إلي أن بنك الأهلي سوستيه جنرال، تأسس كبنك استثماري عام 1978، وفي عام 2005 استحوذ البنك علي90.7% من أسهم بنك مصر الدولي والتي بلغت 51 مليوناً و7 آلاف و987 سهماً ، وذلك بقيمة 2 مليار و218 مليوناً و827 ألف جنيه، ليصل بذلك إجمالي الأفرع التي يمتلكها هذا البنك حتي الآن 160 فرعاً يعمل به ما يقارب 4500 موظف. رأسمال البنك الأهلي سوستيه ينقسم ما بين 77.17% وباقي النسبة وهي 22.5% مقسمة بين بنوك وشركات وهيئات حكومية وصناديق استثمار وصغار مستثمرين. كانت حصة الأهلي سوستيه الفرنسي 49% والبنك الأهلي المصري 51% وقام الأهلي سوستيه بشراء حصة البنك الأهلي المصري بنحو 4.9 مليون جنيه فقط ليستحوذ سوستيه الفرنسي في إطار سياسة الخصخصة الفاسدة علي 2.77%، وخلال الخمس سنوات الماضية يقدر حجم الربح الذي يحول الي فرنسا بنحو ملياري جنيه سنويا. بعد النجاح وبعد أن نجح البنك في زيادة عدد أسهمه بالبورصة وأفرعه بمصر وتحقيقه أرباح فاقت التوقعات ، فقد تزايد الحديث خلال الفترة الماضية عن وجود مفاوضات بين بنك قطر الوطني والبنك الأهلي سوستيه الفرنسي علي شراء الأول لحصة الأخير وتم الإعلان في البورصة يوم 5 سبتمبر 2012 عن رغبته ثم تقدم بنك قطر الوطني بعرض شراء إجباري لحصة أسهم الأخير. والغريب في الأمر أن مجلس إدارة البنك المركزي المصري قد وافق علي الصفقة في آخر يوم عمل للدكتور فاروق العقدة، وقبل رئاسة الدكتور هشام رامز لرئاسة البنك المركزي ، ولم يتوقف الأمر علي ذلك فقط بل هناك أمور أكثر غرابة أن صفقة بيع البنك الأهلي سوستيه جنرال للبنك الوطني القطري، تضمنت في محتواها علي مخالفات كثيرة قد تضر بالسوق المصرفي لعل أبرزها تدني سعر السهم 5.7 دولار أي بما يعادل 35 جنيهاً لكل سهم وهو مبلغ غير عادل وبالتالي سيؤدي لإلحاق الضرر علي مصالح المواطن المصري والمال العام والذين يمتلكون 22.8% من رأسمال البنك ، وذلك في الوقت الذي قامت فيه مصر ببيع رخصة الهواء لشركة اتصالات بنفس القيمة التي يتم بها بيع البنك. لغز البيع والمثير للدهشة أيضاً في الوقت ذاته أن هيئة الرقابة المالية لم تطالب في صفقة الأهلي سوستيه جنرال بأية تفاصيل للصفقة حتي أنها لم تطلب عقد جمعية عامة غير عادية للموافقة علي عملية البيع، علي الرغم من أن تأسيس الهيئة الهدف الأساسي لحماية الأقلية وصغار المتعاملين بالبورصة إلي جانب تنظيم التشريعات والرقابة، كما أن الصفقة تمت بالبورصة وليس عن طريق البنك المركزي. بلاغات وبناءا علي ذلك تقدم بعدها عدد من العاملين بالبنك لعل أبرزهم سعد عبده مدير مشارك بالمعاش بالبنك الأهلي سوستيه جنرال ومحمد خطاب مدير حسابات بالبنك وسامي حسن مدير إدارة التفتيش بالبنك ببلاغات ضد كل من محافظ البنك المركزي ورئيس هيئة الرقابة المالية ورئيس سوق المال اعتراضاً علي صفقة بيع البنك في الوقت الذي حقق فيه أرباحاً بلغت 1.5 مليار جنيه، وذلك وفق ميزانية البنك لعام 2012،فضلاً عن زيادة مجموع الميزانية الخاص به ب7% عن العام الماضي، وزيادة إجمالي ودائع العملاء من 51 مليون جنيه إلي 53 مليون جنيه، بزيادة بلغت 4%، في حين بلغت أرباح البنك بعد خصم الضرائب مليار ونصف المليار جنيه، فضلاً عن زيادة المتحصل من العملاء والبنوك بنسبة 25%، وسجل عائد أذون الخزانة ارتفاعًا بلغ 13% عن السنوات السابقة، فضلاً عن زيادة الأرصدة المستحقة للبنك لدي البنوك الأخري بنحو 12%، وأوضح التقرير زيادة ودائع العملاء بنسبة 4%، فضلاً عن توسع البنك في خطابات الضمان الخارجية بنحو 655 مليون جنيه بزيادة بلغت 23% عن العام السابق وزيادة خطابات الضمان المحلية بنحو 888 مليون جنيه بزيادة بلغت 18%، ورغم تلك النجاحات التي حققها البنك خلال العام المنتهي وزيادة رأسماله بنصف مليار جنيه إلا أننا فوجئنا بمساعٍ مصرية لبيع هذا البنك للجانب القطري، مما أدي إلي انهيار في البورصة بلغ 6 مليارات جنيه. اعتراض كما اعترض العاملون بالبنك والذين تقدموا بالبلاغات علي قرار الجانب الفرنسي في بيع حصته الحاكمة في البنك الأهلي سوستيه جنرال والتي تبلغ 77.2 % إلي بنك قطر الوطني بمبلغ 2.6 مليار دولار لن يمثل قيمته الحقيقية والغريب في الأمر انه أيضاً لم يحدد هل ستذهب هذه الأرباح للمشتري الجديد أم المالك الحالي. وأرجع البعض أن يكون السبب الرئيسي وراء صفقة بيع البنك تعود بشكل أساسي إلي مشكلات مزمنة يعاني منها البنك الأم في فرنسا نتيجة أزمة الديون التي يتعرض لها، لذا قرر بيع أسهم البنك بمصر من أجل توفير سيولة مناسبة لتقوية مركزه المالي وتدعيم قدرته علي مواجهة أزمة الديون التي يمر بها. أسهم البنك وزارة المالية أعلنت فور الإعلان عن صفقة البيع عن فرض 10% ضرائب علي كل من الطرفين الجانب الفرنسي كبائع للبنك، وقطر الوطني كمستحوذ؛ لتعود بعدها مصلحة الضرائب وتؤكد أن الضرائب ستفرض علي الجانب القطري فقط؛ ليعفي منها الجانب الفرنسي، إلا أن المصرفيين وخبراء الضرائب بأسواق المال حذروا وقتها من فرض هذه الضرائب، إذ يعد ذلك خطأ قانونيًّا فادحًا، لاسيما وأنه فرض الضريبة علي الأسهم كان يتم تطبيقه وفقاً للرقم رقم 101 لسنة 2012، والمتعلق بفرض ضريبة قدرها 10% علي الأرباح الرأسمالية المتمثلة في الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع، إضافة إلي أن صفقة سوستيه جنرال ستتأثر بالقرار خاصة أنه سيتم دفع ما يقرب من 300 مليون دولار "بما يقرب من 2 مليار جنيه" في حالة بلوغ الصفقة 3 مليارات دولار. موافقة واللافت للانتباه أيضاً أن نحو 97.4% من مالكي أسهم البنك الاهلي سويتيه جنرال قد أبدوا موافقتهم المبدئية علي العرض المقدم من بنك قطر الوطني للاستحواذ علي أسهمهم بسعر 38.65 جنيه للسهم، وذلك قبل أن تعلن مصلحة الضرائب عن فرض ضريبة 10% . وحول أسهم البنك الأهلي سوستيه بالبورصة ، تباينت نية البنكين في عدم وجود أي نية أو خطة لديهم لشطب اسهم البنك من جداول البورصة المصرية، إذ قرروا الالتزام بأحكام المادتين 35,9 من قواعد قيد و استمرار و شطب الاوراق المالية الصادرة من مجلس ادارة الهيئة العامة للرقابة المالية وذلك في ضوء عرض الشراء الاجباري الذي تقدم به بنك قطر الوطني و الذي اسفر عن استحواذه علي نسبة و قدرها 97.1 من اجمالي اسهم رأسمال البنك، إذ يبلغ إجمالي الأسهم بنك الأهلي سوستيه والمعروضة للبيع بلغ 432 مليوناً و183 ألفاً و782 سهماً، تمثل 97.45% من إجمالي الأسهم المطلوب شراؤها، والتي تصل إلي 443 مليوناً و535 ألفاً و902 سهم، تمثل نسبة 100% من أسهم الأهلي سوسيتيه جنرال. إلا أن لجنة المؤشرات بالبورصة المصرية قد قررت بعدها استبعاد البنك الأهلي سوسيتيه جنرال من مؤشرات السوق الرئيسية علي خلفية قيام بنك قطر الوطني بالاستحواذ علي الغالبية العظمي من التداول الحر من أسهم البنك. حقوق العاملين تزايدت المخاوف في ظل المفاوضات لإتمام صفقة بيع البنك الأهلي سوستيه لقطر من حدوث عملية تصفية للعاملين بالبنك والبالغ عددهم 4500 موظف في نحو 160 فرعاً، وطالب العاملون بالبنك بحماية حقوقهم في عقد الصفقة مع بنك قطر الوطني، خاصة وأن المادة الخاصة بحقوق العاملين بعرض الشراء جاءت مطاطة ولا تحمي حقوقهم، حيث أعلن ملاك البنك عن عدم نيتهم الاستغناء عن العمالة بالبنك خلال السنة الأولي من تاريخ تنفيذ عملية الشراء إلا وفقا لظروف العمل المعتادة ووفقا لأحكام قانون العمل، كما لم ينص علي تخصيص نسبة 5% إثابة للعاملين بالبنك أسوة بمحالات كثيرة تمت بالسوق المصري سواء لبيع بنوك عامة مثل بنك الاسكندرية أو لبنوك خاصة، كما لم يضع البنك خطة مستقبلية لطبيعة عمل البنك في السوق المصري، بالإضافة إلي عدم النص علي نظام معاش مبكر في حالة عدم رغبة العاملين الاستمرار مع المالك الجديد، الأمر الذي دفع بعدها وزارة القوي العاملة والهجرة لبحث اعتماد لائحة نظام العمل بالبنك وذلك من أجل حماية حقوق العمالة بالبنك، خوفاً من تشريدهم وإنهاء عقود عملهم بالبنك. بقاء العمالة وإلي جانب ذلك أكد محمد الديب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي سوسيتيه جنرال، بعدم المساس بعمالة البنك في حال إتمام صفقة بيع البنك لبنك قطر الوطني، إضافة إلي أن مصرفه لن يسمح بأي تجاوزات في حقوق العمالة بالبنك الأهلي سوسيتيه جنرال بعد الاستحواذ عليه من جانب "قطر الوطني"، لافتاً إلي أن عرض الشراء الذي تقدم به الجانب القطري شمل خطة لتطوير العمالة وتدريبها وليس تصفيتها، وبقاء العمالة كما هي دون إجراء أي تغييرات سواء في مجلس الإدارة أو غيرها، ومن هنا نستنبط أنه لن يتم استبعاد الديب من منصبه كرئيس مجلس الإدارة. موجة بيع وفي النهاية وفقاً للمفاوضات التي تتم عن صفقة بيع البنك الأهلي سوستيه جنرال لقطر الوطني، توقع عدد من الخبراء والمصرفيين أن تشهد الفترة القادمة موجة من بيع البنوك، وذلك جراء تعديل قانون البنوك ورفع الحد الأدني لرؤس أموالها، إضافة إلي تعرض المؤسسات المصرفية الكبري في الدول الأوروبية لأزمة ديون قد تفاقمت الفترة الأخيرة ، غضافة إلي أنهم يمتلكون وحدات مصرفية في مصر فيلجأوا لبيعها لتوفير سيولة مالية لتقوية الوضع المالي لهم.
