لم تكن جماعة الإخوان المسلمين تتصور في يوم من الأيام أن يرحل نظام مبارك الذي طالما قهرها وغيرها من الجماعات الإسلامية بهذه السهولة. في البداية كانت الدعوة إلى الثورة من جانب الشباب الليبرالي واليساري، من حركة شباب 6 أبريل والحركة الوطنية من أجل التغيير كفاية واليساريين الثوريين، لكن جماعة الإخوان التي قامت خلال السنوات الأخيرة بإبراز تعاون جاد مع الحركات العمالية، أكدت في بداية الثورة أنها لن تنضم إلى المظاهرات السلمية يوم 25 يناير، وعلى الرغم من ذلك أبرزت الصحف القومية وجودا للعديد من رموز وقيادات الجماعة وسط المظاهرات في اليوم الأول للثورة، حيث برز النائبان في مجلس الشعب المصري الدكتور محمد البلتاجي، والمحامي صبحي صالح وغيرهما. هذا الوجود الذي كان على استحياء، جاء في وقت أعلنت فيه الجماعة على لسان المتحدث الرسمي باسمها الدكتور عصام العريان، الذي أكد أن الإخوان لن يشاركوا في هذه المظاهرات، مما تسبب في انتقادات شديدة للجماعة. وكانت المرة الأولى التي اعترف فيها النظام السابق بوجود الإخوان كقوة سياسية في الشارع السياسي، عندما طالب اللواء عمر سليمان نائب الرئيس بلقاء يجمع القوى السياسية بما فيهم الإخوان لمناقشة الأوضاع الراهنة، وكان لأول مرة يجلس الإخوان كفصيل معترف به جنبًا إلى جنب مع الأحزاب الكرتونية التي صنعها النظام السابق في يوم 4 فبراير 2011، وهو ما يعتبر بطاقة اعتراف دولية بهم. لكن الإخوان الذين طالما عانوا من قمع الأنظمة السابقة، خاصة نظام مبارك، اجتمع مجلس الشورى الخاص بها في اليوم التالي، وقرروا الاستمرار في الثورة، معتمدين على الشعبية التي يتمتعون بها في الشارع المصري، وعلى قوة تنظيمهم وعلى مقدرتهم على إقناع الشارع المصري بالاستمرار في التظاهر السلمي حتى إسقاط النظام. ولعل هذا الوجود هو ما دعا الشيخ محمد حسين عيسى عضو مجلس شورى الإخوان للزعم بأن الثورة قامت على أكتاف الإخوان ولم تقم على أكتاف الشباب. وفي هذا المعنى أكد الدكتور صبري سميرة، مدرب التنمية البشرية للتأكيد على دور الإخوان قائلا: إن كان الملايين يُشاركون في الثورة المصرية في أنحاء مصر فإن من يقودهم بعض عشرات الألوف وهؤلاء في غالبهم الأعم من الإخوان، والملايين تناصرهم، ولكن لحسابات سياسية وإستراتيجية وميدانية وإعلامية واستفادة من تجارب التاريخ فإن الإخوان لا يرفعون شعاراتهم ولا يتصدرون الثورة أو قيادة الشعب لوحدهم، وعسى أن يكون هذا صادر عن قناعة وقرار منهجي وإستراتيجي دائم في استيعاب الآخرين والالتزام بالديمقراطية حتى لو قُدر للإخوان أن يحكموا. وفي نفس المعنى قالت صحيفة (النيويورك تايمز) الأمريكية: إن الأنظمة العربية عرفت قدر جماعة الإخوان المسلمين، ومدى انتشارها الفعلي في المنطقة، بعد الاحتجاجات المنتشرة حاليًّا في أنحاء العالم العربي، لافتة إلى أن الأنظمة التي ظلت عقودًا تتجاهل وجود الإخوان المسلمين القوي في الشارع؛ جاءت الآن لتطالبهم بالحوار، في محاولة لإنقاذ الأوضاع المتدهورة في المنطقة؛ باعتبارهم صمام أمن المنطقة العربية. لكن كثيرا من المحللين أكدوا أن الإخوان إلى وقتنا هذا لم يقفزوا علي الثورة رغم مشاركتهم بكامل طاقاتهم بها إلا أن تواجدهم كان جزء من نسيج الشعب، وهذا ما اقره الإخوان حينما نجحت الثورة حيث أخذوا جانبا وأعلنوا عدم ترشحهم لمنصب رئيس الجمهورية وكذلك عدم مشاركتهم حتى في الحكومة لانهم فقط يريدون الإصلاح لا المناصب. ولم تكد تمر أيام على اجتماع مجلس شورى الجماعة حتى تم الإعلان التاريخي بتنحية الرئيس السابق حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية يوم 11 فبراير، والذي ظهر فيه اللواء عمر سليمان، نائب الرئيس بوجه متجهم، ليعلن على الملأ نبأ التنحي، وبذلك تبدأ الجماعة ميلادا جديدًا، عقب ذلك مباشرة يطالب المرشد محمد بديع شباب الإخوان بالتحرير بالعودة إلى منازلهم لدراسة الإستراتيجية القادمة للإخوان، في ظل المناخ الديمقراطي الذي فرضته الثورة. وعلى الرغم من التصريحات المتضاربة للجماعة بخصوص الترشيحات للانتخابات البرلمانية القادمة، بداية من إعلان الدكتور عصام العريان أن الجماعة تعتزم الترشح على نسبة ما بين 25 إلى 35% من المقاعد البرلمانية، وما خرج بعدها من تضارب بشأن هذه النسبة، إلا أن الجماعة استقرت أخيرًا على الترشح على نسبة ما يقرب من 50% من أجل استهداف النسبة التي صرح بها العريان في أول أيام نجاح الثورة. وكان الإعلان عن التعديلات الدستورية، والتي حظيت فيها جماعة الإخوان وأنصارها بالشعبية الأكبر، خاصة بعد مشاركة قيادي الجماعة المحامي صبحي صالح في اللجنة المكلفة من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائم بإدارة شئون البلاد بتعديل الدستور، وكذلك اختيار المستشار طارق البشري، رئيسا للجنة، وهو المحسوب على الجماعة في السابق. وجاءت لحظة الحسم في الاستفتاء على التعديلات، واتخذت الجماعة منحى مخالفا للشارع السياسي، وأعلنت تأييدها للتعديلات الدستورية، وتبعتها في ذلك الجماعة السلفية والجماعات الإسلامية الأخرى، والأحزاب المنشقة عن الإخوان، إلى جانب فلول الحزب الوطني، وكانت النتيجة التي صعق من هولها الجميع، عندما كانت نسبة الموافقة على التعديلات أكثر من 14 مليونا، في مقابل 4 ملايين للرافضين، وبذلك يحفر الإخوان والإسلاميين خندقا يحصنون فيه من هول الأيام القادمة. ومنذ تلك اللحظة بدأت الحرب على الجماعة، فأخذت شكل الهجمات الإعلامية للتخويف من كل ما هو إسلامي، خاصة بعد أن تحول الاستفتاء على الدستور إلى استفتاء على بقاء المادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وما كان من الجماعة المتذبذبة في قراراتها إلا أن تعلن براءتها من كل تلك الهجمات، وتطالب بالتهدئة داخل المجتمع. وفسر البعض ذلك التذبذب، بأن الجماعة لأول مرة تعمل في العلن، ولأول يأخذ قادتها حريتهم في التعبير عن أنفسهم بعد سنوات من القمع، والذي كان الانتماء إلى الجماعة قوة لحشد الكثير من الأنصار للدفاع عن المعتقلين. وما أن حل أول شهر مايو، حتى أعلنت الجماعة عن تأسيس حزب "الحرية والعدالة"، الذي ولد في أحضان الجماعة، والذي لقي هجوما شديدا، من قبل الجماعات السياسية، خاصة حركة الثوار الأحرار الناشئة، ذات التوجهات الليبرالية بأن هناك مخالفة جسيمة وقعت فيها الجماعة وهي أن قيادات الحزب تم انتخابهم من قبل مجلس شورى الإخوان، مع أن المفترض أن يتم الانتخاب عن طريق المؤسسين للحزب، وليس فرضه من قبل الجماعة على الحزب. وفي الوقت الذي رفض فيه شباب الإخوان قيام الحزب الذي أعلنت عنه جماعة الإخوان المسلمين تحت اسم "الحرية والعدالة" أعلن عدد من قيادات الأحزاب السياسية ترحيبهم بالحزب بشرط ألا يكون هناك أي خلط بين الدين والسياسة. وجاء الحزب ليؤكد على خوض الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في سبتمبر/ أيلول القادم، والتي أعلنت الجماعة أنها تعتزم المنافسة على نحو نصف مقاعد مجلس الشعب، كما أكدت أنها لا تعتزم ترشح أي من أعضائها لخوض الانتخابات الرئاسية، التي من المقرر أن تجري في وقت لاحق من العام الجاري. لكن انشقاقات الجماعة التي ظهرت عقب الثورة، أشعرت الجميع بعدم المصداقية، خاصة بعد أن ترددت أنباء عن عزم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الترشح للرئاسة؛ لكن الجماعة أكدت أنها لن تدعم أي مرشح إخواني في الانتخابات الرئاسية، في حين أن المصداقية التي كانت مفقودة من جانب الحزب الوطني المنحل، بدأت تتجه إلى الجماعة. ومؤخرا أعلنت الجماعة أنها لن تدعم أي وقفات احتجاجية من شأنها أن تعطل مسيرة البلد الإنتاجية، ولذلك أكدت أنها ضد أي وقفات في هذا الإطار وأنها لن تشارك في أي وقفات احتجاجية ولن تدعم أي مطالب فئوية، مما استدعى البعض ليقول إن الجماعة اتفقت مع الجيش. في اتهام صريح للجماعة بأنها تتواطأ مع الجيش من أجل عدم تحقيق مطالب الثورة. وفي هذا السياق، نفى الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وجود صفقة بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن المسار السياسي لمصر بعد ثورة 25 يناير 2011 وما يستتبعها من انتخابات برلمانية ورئاسية، مشددا على أهمية الاتفاق على قائمة موحدة في الانتخابات البرلمانية - عبر اختيار الأفضل من جانب الإخوان ومن جانب القوى السياسية الأخرى، وهو ما من شأنه أن يجنب الجميع الصراع، معتبرا أنه بذلك سيعد تنافسا شريفا لاختيار الأنسب. ولعل هذا ما جعل المرشد العام للإخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع ينتقد ما أسماه ب"محاولات الوقيعة بين الجيش والجماعة"، والتي اتهم البعض بمحاولة إحداثها خلال الفترة الماضية، مؤكدا أن أفراد الجماعة كانوا يحاكمون في عهد النظام السابق على نواياهم، مطالبا بمحاكمة كل من سعى في خراب البلاد خلال السنوات الماضية. وبعد مائة يوم من الثورة، فهل يكون الإخوان الحزب الحاكم في مصر، ونشاهد رئيس مجلس الشعب يجلس على منصته إخواني، أم أن الأمور سوف تتغير، وهل نشهد صعودا مبكرا للإخوان إلى دست الحكم، والترشح للرئاسة؟! هذا ما سوف تظهره الأيام القادمة.