بداية لابد من توجيه خالص التهنئة للزملاء الصحفيين الذين اختيروا لتولي المسؤولية كرؤساء مجالس ادارات ورؤساء تحرير في المؤسسات الصحفية القومية ومعظمهم - والحمد لله - من هؤلاء الذين يتمتعون بسمعة طيبة وسجل مهني مشرف . كذلك لابد من الاشارة الى البعض "القليل جدا " من هؤلاء الذين استحقوا عن جدارة تجديد الثقة فيهم وعلى رأسهم الصديقان العزيزان محمد بركات رئيس مجلس ادارة مؤسسة "أخبار اليوم " وياسر رزق رئيس التحرير النابه . وان كان هذا لا يمنع من الاشادة بعدد من الزملاء الذين خرجوا بعدما حققوا الكثير من التطوير الاداري خصوصا في بعض المؤسسات أمثال الدكتور الصديق عبد المنعم سعيد رئيس مجلس ادارة مؤسسة "الأهرام " لكن الظروف حالت دون تفهم مواقفهم السايسية التي اضطروا من خلالها الى الوقوف في صف النظام السابق رغما عنهم اعترافا بالجميل لذلك النظام الذي جاء بهم الى مواقعهم . وهنا مربط الفرس الذي ينبغي ان نتوقف عنده كثيرا اذ أن الأسلوب الذي جاء به الزملاء الجدد لا يختلف بالمرة عن ذلك الذي جاء به السابقون عليهم مع فارق طفيف فقرارات تعيين السابقين صدرت من المجلس الأعلى للصحافة التابع لمجلس الشورى بصفته مالك المؤسسات الصحفية القومية ولأن اللجنة العامة لمجلس الشورى كانت هي التي تتولى الترشيحات ولأن الحزب الوطني الحاكم - وقتذاك - كان هو صاحب الأغلبية " شكليا " داخل مجلس الشورى لذا فقد كان الأمر أقرب الى أن الحزب الحاكم كان هو صاحب قرار التعيين . اما هذه المرة فالأمر تحول الى الحكومة التي توصف بحكومة تسيير الأعمال اذ أنها هي التي اتخذت قرارات التعيين - بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة - بناء على ترشيح من نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور يحيي الجمل الذي تم تفويضه من قبل بالمسؤولية عن هذا الملف . ومع الفارق طبعا أعتقد أن تولي سلطة تشريعية منتخبة ممثلة للشعب - رغم كل التحفظات – لهذه القيادات هو أفضل كثيرا من التعيين الحكومي . ولذلك كنت أرى من الأفضل أن يصدر قرار بقانون من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتغيير قانوني ينقل ملكية المؤسسات الصحفية القومية الى تلك المؤسسات ويعطي الجمعيات العمومية فيها وهي مجمل العاملين في القطاعات المختلفة الحق في اختيار أعضاء مجالس الأدارات التي تنتخب فيما بعد رئيسا لمجلس الادارة يتولي مع ممثلي ادارة التحرير في الجمعية العمومية وفي مجلس الادارة اختيار رؤساء تحرير الاصدارات المختلفة من بين أكثر من مرشح بعد وضع قيود على من يتقدم للترشيح تتعلق بالسن وبالخبرة العملية وبالانجازات في مجال العمل وبالخطة التي يتقدم بها . ساعتها سنكون قد ضمنا أن يكون ولاء المسؤول عن المؤسسة لهؤلاء الذين اختاروه باسلوب ديمقراطي . وتكون النتيجة المؤكدة هي حرصه على العمل الدؤوب من أجل استمرار نيل ثقتهم وايضا ضمان أن يبذل هؤلاء أنفسهم كل ما لديهم من جهد للتعاون مع هذا المسؤول أو ذاك للعمل على انجاحه ما دام جاء بارادتهم وباختيارهم ,. وهذا هو جوهر الديمقراطية . ولأني أعتقد أن قرارات تعيين القيادات الجديدة جاء نظرا لغياب أي سلطة تشريعية واعتبار المجلس الأعلى ممثلا للسلطتين التنفيذية والتشريعية وتفويضه لحكومة الدكتور عصام شرف في هذه المسؤولية فان هذه القرارات ستكون الأخيرة التي تترك مسؤوليتها للحكومة لأنه من غير المنطقي ولا القانوني أن تتولى الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات التسريعية المقبلة مثل هذه المسؤولية والا سنكون قد ارتكبنا خطيئة كبرى بمنح الحكومة اي حكومة حق اختيار قيادات للصحف ووسائل الاعلام القومية التي يفترض انها تتبع وتمثل الدولة بكل أطيافها السياسية وليس السلطة التنفيذية . ولعلي أرى أن نفس النموذج السابق بالنسبة لنقل الملكية هو فقط الذي يضمن حلا شاملا وعادلا ودائما لادارة واختيار القيادات في اتحاد الاذاعة والتلفزيون الذي أظن أن أحدا على وجه الأرض لا يمكنه أن يحوله الى كيان ناجح من الوجهة العملية المادية طالما استمرت لوائحه الروتينية الحكومية واستمر عدد العاملين فيه على ما هو عليه ( 47 ألف موظف بينهم 9 الاف من رجال الأمن أكثر بكثير من نصفهم من المعينين بالواسطة لصالح نواب سابقين في مجلسي الشعب والشورى أو الأجهزة الأمنية أو الأجهزة الرقابية أو الوزراء السابقين ) . ويكفي القول ان هذه المؤسسة الضخمة المترهلة يفترض منها أن تتنافس على كعكة اعلانية مع عشرات المحطات التلفزيونية الخاصة ومئات القنوات الفضائية العربية الحكومية والخاصة التي تحكمها قوانين تتميز بكل المرونة وملاحقة التطور . واذا كان عجز ميزانية اتحاد الاذاعة والتلفزيون على مدى 10 سنوات قد زاد على 11 مليار جنيه فيكفي القول ان باب الرواتب والنفقات الثابته يزيد وحده سنويا على مليار و200 مليون جنيه أي ان هذا الباب وحده يتحمل نسبة من العجز تكاد تصل الى كل قيمته . أعجبني أنه : للمرة الثانية في أقل من شهر يحرص الدكتور عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة في مصر على اللقاء مع بدو سيناء وقبائل العرب الذين وقف وسطهم بحماسة الشباب يهتف "تحيا مصر"، في المؤتمر الشعبى الذى أقامه ممثلو القبائل العربية على مستوى مصر كلها . وكم أتمنى لو كرر كل مرشحي الرئاسة المصرية وغيرها نفس الشيء وذهبوا الى أهل النوبة في أماكنهم والى التجمعات المسيحية الاجتماعية وليس في الأديرة والكنائس فحسب . ان هذا هو فقط الذي يعيد الجميع الى الشعور بأنهم جزء أصيل من نسيج مصر العظيمة بعيدا عن الشعارات . الدعوة موجهة الى الدكتور محمد البرادعي والى الصديق حمدين صباحي والمستشار هشام البسطويسي اعتبار من غد وليس بعد اسابيع . ولم يعجبني : الهجوم الحاد الذي تعرض له الاعلان الدستوري من جانب هؤلاء الذين لم يستمعوا الى ما قاله المستشار طارق البشري الذي أكد أن الغاء مجلس الشورى وتغيير نسبة الخمسين في المائة للعمال والفلاحين وغيرها من المسائل الكبيرة الجوهرية تحتاج الى اجماع بشأنها لا يتوافر الا للمجلس التأسيس الذي سيتولى وضع الدستور الدائم الجديد . كلمة أخيرة : للفيلسوف الأندلسي أحمد بن خليل قول جامع مانع عندما سئل عن الرجال فقال : ان الرجال أربعة : رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم واتبعوه .. ورجل لا يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم وايقظوه .. ورجل لا يدري و يدري أنه لا يدري فذلك متعلم وأرشدوه .. ورجل لا يدري أنه لا يدري فذلك أحمق فتجنبوه . وأرى أننا في حاجة الى اضافة نوع خامس من الرجال المنتشرين هذه الأيام بكثرة وهم هؤلاء الذين يتصرفون كما لو كانوا هم أصحاب التوكيل الحصري للحقيقة والمعرفة ومصيبة أمثال هؤلاء أنهم يرون أن تنفيذ ما يقولون هو الواجب والضرورة وان مجرد مناقشته هو اثم من عمل الشيطان . والغريب أن معظم هؤلاء ممن يدعون أنهم ديمقراطيون ولكن بمجرد أن تسير الأمور على عكس ما يريدون تجدهم وقد تحولوا الى النقيض واعتبروا أن أصحاب القرار انتهكوا الأصول وعلم الأخلاق . اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان .