مما لا شك فيه أن أهمية التعليم لم تعد محل جدال بين إثنين وأن أهمية التعليم لا يمكن تجاهلها من قبل أي دولة فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن بداية التقدم الحقيقية بل والوحيدة في العالم هي التعليم ، وأن كل الدول التي تقدمت بما فيها النمور الآسيوية قد تقدمت من بوابة التعليم ولذا تضع الدول المتقدمة التعليم في أولوية برامجها وسياساتها. فجوهر الصراع في العالم الآن يكمن في ضرورة التعليم الجاد فهو سبيل تقدم أي دولة في كافة المجالات حتى لو ظهر الصراع في شكل سياسي أو اقتصادي أو عسكري ولكن الجوهر الحقيقي هو صراع تعليمي لأن الدول فى النهاية لا تتقدم إلا عن طريق التعليم فظن نوني بلير رئيس وزراء بريطانيا يردد طوال حملته الانتخابية أن برنامج الحكومة هو التعليم ولقد أصبح رؤساء كثير من الدول يعلنون صراحة أن التعليم الأساسي فيها هو التعليم العالى ، وإذا كان التعليم الأساسي هو الركيزة الأساسية في بناء وتكوين وتشكيل مكونات الإنسان العقلية والوجدانية ، وتأهيله للتعامل مع العلم والمعرفة واستيعاب آليات التقدم وتفهم لغة العصر، فإن مواكبة عصر التكنولوجيا فائقة القدرة والمعلوماتية المتصارعة الخطي ، تفرض بل وتحتم ألا يكون التعليم الجامعي والعالي مقصوراً علي الصفوة فقط كما كان من قبل .
ويعتبر النظام التعليمي في مصر خاضعاً لسيطرة الحكومة المركزية فى القاهرة ويقوم التعليم في أي مكان في العالم علي أربعة محاور رئيسية وهي :- 1- المدرس. 2- الطالب. 3- مكان تلقي العلم (المدرسة- الجامعة). 4- المادة الدراسية. ويعانى النظام التعليمى المصرى بكل عناصره وبكل مستوياته منذ أمد بعيد من العديد من المشاكل والتحديات ، والتى تمثل عائقاً حقيقياً أمام العملية التعليمية وتطورها وبالتالى التحديث والتنمية الشاملة ، ومشاكل التعليم فى مصر هى مشاكل بالغة الخطورة نظراً لكونها متعددة الجوانب والوجوه فهى تلازم المحاور الأربعة السابقة للعملية التعليمية كما يلي:- أولاً بالنسبة للمدرس :- قد يكون المدرس غير مؤهلاً تعليمياً وتربوياً بالشكل الصحيح وقد يكون العائد المادى الذى يحصل عليه المدرس لا يكفيه وبذلك يتجه إلى الدروس الخصوصية وهى الطامة الكبرى بالنسبة للطالب والتى تعمل على تشتيت ذهن الطالب وتقليل دور المدرسة فى التعليم واعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية . ثانياً بالنسبة لطالب :- فقدان الطالب الثقة فى قيمة الشهادة التى يحصل عليها خاصة بعد الكم الهائل الذى تشهده مصر من البطالة فأصبح الطالب لا يوجد لديه الحافز القوى على الوصول لأعلى الدرجات العلمية ويتوجهون للمدارس الفنية للحصول علي شهادة الدبلوم والإكتفاء بها . ثالثاً بالنسبة للمدرسة :- ضعف الإمكانيات المتاحة داخل المدارس أحياناً نتيجة لضعف التمويل المتاح للمدارس وأحياناً التكدس داخل الفصول وزيادة عدد الطلاب فأحياناً يكون فى الفصل الواحدحوالى 50 طالب وأيضاً انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية والتى أدت إلى فقدان الثقة فى المداس والإعتماد بشكل كبير على الدروس الخصوصية .
رابعاً بالنسبة للمادة الدراسية :- الحشو فى المناهج دون التركيز على نقاط معينة واعتماد المناهج في الغالب علي الجانب النظري فقط وتجاهل الجانب العلمى وعدم ملائمة المناهج للتطور العلمى المستمر فالمناهج قديمة و ليس هناك أى تحديث للكتب التى ندرسها من حيث الكيف وإن كان هناك بعض التحديث الشكلى و أيضاً الفجوة الواضحة بين محتويات المناهج ومتطلبات سوق العمل . كل هذا قد يؤثر بشكل أو بآخر علي سير العملية التعليمية بالشكل الصحيح ويمكن القول أن تلك المشاكل لا ترجع إلى سبب واحد ، وإنما إلى مجموعة كبيرة ومتداخلة من الأسباب فالدعم السياسي لذي حظيت به السياسات التعليمية في مصر منذ بداية الإصلاح التعليمي لم يرق في تعامله مع هذه القضية إلي مستوي قضايا الأمن القومي لا من ناحية التمويل والدعم المادي، أو من ناحية توفير الأطر القانونية والمؤسسية التي تعضد التوجه نحو التعليم كقضية أمن قومي و عدم مراعاة رؤية المؤسسة التعليمية لعملية إصلاح الفئات الأضعف والأشد حرماناًً ومحاولة إستيعابها داخل المؤسسة التعليمية حتي نهاية مرحلة التعليم الأساسي وسيطرة الأهداف الطموحة علي المستوي الكلي علي رؤية القائمين علي المؤسسة التعليمية وغياب الأهداف العملية المحددة بدقة والقابلة للتنفيذ خلال فترة زمنية معقولة، بالإضافة لغياب المتابعة والمسائلة و الإقدام علي كثير من الخطوات الجديدة المتداخلة دون متابعة أو تقييم مما أدي إلي تشتيت الجهود أو تواضع النتائج في أحسن الأحوال و تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية ، حيث أصبحت عرفاً سائداً في كل سنوات التعليم في الحضر والريف وبين جميع الطبقات وعدم الربط بين مخرج العملية التعليمية ومتطلبات سوق العمل . ولابد من الوقوف علي تلك المشاكل وسرعة حلها وذلك لأن حل هذه المشاكل يتوقف عليه مايلي :- إما أن يشهد التعليم نهضة شاملة خلال العقدين المقبلين ، وأن الإصلاحات التى تقوم بها الحكومات لمصرية المتعاقبة ستؤدى فى النهاية إلى تحسين أحوال التعليم . أو يشهد انتكاسة ونكبة كبيرة فى المستقبل ، وأن الإصلاحات التى تقوم بها الحكومات لمصرية المتعاقبة ستؤدى فى النهاية إلى تدمير التعليم المصرى . وهناك بعض المقترحات والتوصيات من أجل مواجهة مشاكل التعليم في مصر وهي :- - التحول من فكرة كون التعليم مسئولية الحكومة إلى فكرة قومية للتعليم وضرورة مساهمة جميع القطاعات ومن بينها القطاع الخاص فى تطوير التعليم وتحسين جودته. - دعم وتوسيع مفهوم الشراكة بين القطاع الحكومى والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية فى تحمل أعباء العملية التعليمية باعتبارها قضية أمن قومى سواء أكان ذلك فى تدبير الموارد المادية أو البشرية . - تشجيع القطاع الخاص على توظيف إمكاناته فى تمويل التعليم، مما يساعده على القيام بواجباته الاجتماعية تجاه المساهمة فى تطوير التعليم خاصة فى ظل التحديات المحلية والعالمية التى تواجه المجتمع المصرى . - تطوير القوانين والتشريعات التى تسمح بتحقيق عائد عادل للاستثمار فى مجال التعليم بما يعمل على اجتذاب المستثمرين فى هذا المجال الحيوي لمستقبل مصر . - دعوة قطاع الأعمال والصناعة للمشاركة الفاعلة مع مؤسسات التعليم العالي فى اتجاهين وهما تحديد المواصفات المطلوب توافرها فى الخريج ، والمشاركة فى تمويل مؤسسات التعليم . - التأكيد على استخدام أساليب الإدارة الاقتصادية للارتقاء بمستوى أداء الخدمات التعليمية وتقديمها وفقا للمعايير الدولية الحديثة . - إعداد خريطة مستقبلية واضحة المعالم يتحدد من خلالها الإدوار المنوطة بالجمعيات الأهلية فى مجال التعليم حتى يتسنى لها المشاركة الجادة فى تطوير التعليم . - تأكيد ثقافة الجودة الشاملة في نظمنا ومؤسساتنا التعليمية من خلال تطبيق المعايير العالمية في جميع عناصر المنظومة التعليمية . - ضرورة الاستفادة من مستجدات العصر ومستحدثات تكنولوجيا المعلومات لتوفير مصادر تعليم جديدة .
وأخيراً مما لا شك فيه أن أهمية التعليم لا يمكن تجاهلها من قبل أي دولة ، وفي عالم اليوم أصبح التعليم ضرورة قصوى لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة وقد أولى الإسلام أهمية كبيرة إلى التعلم ففي معركة بدر التي أنتصر فيها المسلمين وقاموا بأسر عدد من الكفار وكان بعضهم يجيد القراءة والكتابة ، فعرض الرسول على الأسرى لكى يتم اطلاق سراحهم أما أن يعلموا عشرة من المسلمين القراءة والكتابة أو أن يدفعوا الفدية وكانت هذه هي المدرسة الأولى في تاريخ الإسلام التى أنشأها الرسول نفسه . خلاصة الأمر أن التعليم هو العامل الرئيسى لرفعة أي دولة والإعلاء من شأنها على كافة المستويات .