باليه "كسارة البندق" الذي يتم تقديمه حالياً علي المسرح الكبير بدار الأوبرا من خلال فرقتنا المصرية "فرقة باليه أوبرا القاهرة" من الأحداث الفنية الجميلة التي تختتم بها الأوبرا هذا العام. وتستقبل عاماً جديداً .. وذلك أسوة بمعظم دور الأوبرا في العالم حيث ان هذا العمل تدور أحداثه في ليلة عيد الميلاد ويمثل متعة للكبار والصغار في آن واحد.. وألحانه الجذابة والشجية تتغلغل إلي النفس وتطرب الأذن مما جعلها احدي معالم أعياد الميلاد. وهذا العمل رفيق لعملين آخرين هما "بحيرة البجع" و"الجمال النائم" والثلاثة من ركائز فرق الباليه العالمية. ومن عيون التراث الكلاسيكي. وتحظي دائماً بإقبال جماهيري كبير. ومن ايجابيات فرقتنا القومية ان الثلاثة من رصيدها الفني الاساسي منذ بداية انتقالها في أوائل التسعينيات إلي دار الأوبرا ويحسب هذا بدون شك للدكتور عبدالمنعم كامل الذي كان يتولي مسئوليتها في ذلك الوقت ومازال يرعاها وتسير وفق رؤيته حتي الآن.. ومؤلف هذه الروائع وبالتحديد "كسارة البندق" موضوع حديثنا هو المؤلف الروسي الشهير بيتر إلتيسن تشايكوفسكي "1840 - 1893" الذي كتب كثيراً من الأعمال الخالدة. منها 7 سيمفونيات ومجموعة من مؤلفات الكونشرتو للبيانو والكمان و8 أوبرات. وتعد أعماله للباليه من أشهر مؤلفاته وأكثرها رواجاً وكان ينظر إليه المؤلفون الموسيقيون والنقاد في روسيا انه أوروبي في اتجاهاته وليس قومياً ولكن نقاد العصر الحديث والنظرة الحالية له أكدت انه مؤلف قومي استطاع أن يمزج تراثه الموسيقي الروسي بتأثيرات الموسيقي الأوروبية لتشكل طابعاً خاصاً به مميزاً لإبداعه. وباليه "كسارة البندق" من أواخر أعمال تشايكوفسكي. بدأ في تأليفه عام 1891 وقدم لأول مرة في ديسمبر عام 1892 علي مسرح مارينسكي بمدينة سان بترسبورج وصمم رقصاته ليف ايفانوف الذي تعد تصميماته ركيزة أساسية لهذا العمل. رغم تعدد الرؤي من المصممين بعد ذلك. وهنا في العرض المصري يستند العمل علي تصميماته. بالإضافة لتصميمات "فايونين". ولكن وفق إخراج ورؤية للدكتور عبدالمنعم كامل. وإضاءة علاء الدين مصطفي. ومن خلالها جاء العمل سلساً بسيطاً جمع بين الواقع والحلم. بدون خط فاصل واضح مما أعطي بعض الحداثة. والباليه من فصلين. مبني علي قصة اقتبسها الكاتب الفرنسي الكسندر دوما عن قصة "كسارة البندق وملك الفئران" للكاتب أرنست هوفمان. وتبدأ حدوتة هذا الباليه باحتفال أعياد الميلاد في منزل والدة كلارا الفتاة الصغيرة ويقوم صديق العائلة "دروسلميير" بتقديم العديد من الألعاب السحرية لإدخال البهجة علي الحفل ثم يقوم بتوزيع الهدايا ليكون من نصيب كلارا عروسة "كسارة البندق" -الذي يشعر أخوها بالغيرة من سعادتها بالدمية ويحطمها لها. ولكن يقوم صديق العائلة الساحر بإصلاحها ثم ينفض الحفل.. وتقوم كلارا في الليل لتري لعبتها وفجأة تتسع الحجرة وتكبر شجرة عيد الميلاد ونجد اللعب والعرائس تتحرك ويهاجمها مجموعة من الفئران وتدخل في معركة مع العرائس لتنتصر الأخيرة ثم تتحول كلارا إلي فتاة جميلة وكذلك كسارة البندق يصبح فتي وسيماً ويصحبها في رحلة إلي مملكة الحلوي التي يجدون فيها الشيكولاتة التي تمثلها الرقصة الاسبانية والبن يمثله الرقصة العربية والشاي تمثله الرقصة الصينية والرقصة الروسية ثم تشارك كلارا وكسارة البندق في رقصة فالس الزهور الشهيرة والرقصات المنفردة التي تبرز أيضاً ملكة الحلوي ثم تدق أجراس الصباح فيتحول الجميع إلي عرائس مرة أخري. فتكتشف كلارا أنها كانت في حلم جميل. مهارة الرقص والعمل درامي يعتمد علي التمثيل الايمائي والمهارة المركبة وفق قواعد الباليه الكلاسيكي وهذا يعد من مهارات فرقتنا المصرية والتي تفوقت فيها وتجاوزت هذه المرحلة في أداء باليهات معاصرة واكثر تعقيداً في الحركة ولهذا ليس جديدا أداؤهم البارع والذي أعطي انطباعا أن كل أفراد المجموعة نجوماً.. ولقد اتيح لي رؤية عرض الافتتاح وفيه تفوق هاني حسن في دور الساحر والذي يعد شخصية محورية. وتستمر طوال العرض. وأتقن التعبير الذي يعد من سماته الشخصية. كما نجح كل من "كاتيرنا ايفانوفا" التي قامت بدور كلارا في اعطاء التعبيرات الدرامية الراقصة التي تحتاجها هذه الأدوار. وأيضاً تألقت "ايرابروكسوفيكو" في لعب دور أميرة الجليد. وكذلك في أداء السوليست في فالس الزهور حيث إنها أدوار تعتمد علي دقة الحركة الكلاسيكية والسرعة في الأداء.. وكذلك برزت سحر حلمي في الرقصة الشرقية. بالإضافة إلي باقي نجوم الفرقة في الرقصة الصينية والروسية والاسبانية .. وكالعادة تألق أحمد يحيي في دور الأمير كسارة البندق.. ولا يفوتنا أن نذكر طلبة معهد الباليه الذين تم تدريبهم تحت إشراف "شريف بهادر" وهم لهم دور رئيسي وبارز في العمل وكانوا مفاجأة طيبة استحقوا التصفيق الحار الذي حصلوا عليه من الجمهور. الموسيقي العمل تم تقديمه بمصاحبة أوركسترا أوبرا القاهرة وبقيادة المايسترو ناير ناجي والذي يقود العمل في جميع الليالي وهذه المرة الأولي التي يقود فيها هذا العمل.. وهذا بدون شك اجتهاد منه.. واعطاء الفرصة للشباب في القيادة أمر مطلوب ولكن أن تكون في جميع ليالي العرض. فهذه مغامرة لا تقدم عليها فرقة محترفة. فمن الممكن أن يسند إليه حفل أو حفلان. أما باقي الحفلات فيجب اسنادها إلي قائد متمرس يكون العمل من رصيده الفني لأن باليهات تشايكوفسكي تكمن قيمتها في موسيقاها ولا يقتصر روادها علي عشاق الرقص وإنما يقبل عليها عشاق الموسيقي واسم القائد يكون عنصر جذب لهم وهذا حقهم. لكن هذا لا ينتقص من جهد المايسترو ناير ناجي. لقد قدم لنا عملاً موسيقياً حافظ فيه علي ايقاعاته التي يرقص عليها الراقصون. واستطاع أن يقدم الألحان التي ميزت هذا العمل. خاصة في فقرة الرقصات والتي تتنوع فيها الألحان التقليدية لكل بلد. ولكن أيضاً لم يكن موفقاً في تقديم الافتتاحية التي تجمع بين الألحان النشطة والخفيفة والتي تختفي فيها الآلات الوترية الغليظة "التشيللو والكونترباص" وكذلك النحاسيات وجاءت سريعة وعالية. وكأن هذه الآلات بها. وأيضا خانة اشعار المستمع بالتكوين الاوركسترالي البديع لتشايكوفسكي والذي فيه استعمال مبتكر لآلات النفخ الخشبي والنحاسي وآلات الايقاع والتي يستخرج منها ألوان صوتية عصرية ومعبرة. وهنا كان علو صوت بعض الآلات وانخفاض الأخري جعل النغمات الايقاعية غالبة أم يتحقق الغرض منها وهذه حرفية تحتاج ممارسة.. ولكن بشكل عام المايسترو ناجي مجتهد وجريء ويستحق التحية.. أما العازفون فهذا العمل من رصيدهم الفني وسبق لهم أداءه مع قادة متمرسين وأعتقد أن هذا ساهم في تقليل السلبيات بل هناك من يجب الاشادة بهم مثل مجموعة آلة الكمان وعازفي الايقاع وبعض عازفي آلات النفخ.. وأخيراً .. "كسارة البندق" عمل جميل والأجمل أن فرقتنا المصرية تقدم لنا وتستقبل به العام الجديد وتودع عام .2010