انتهت فزاعة الإخوان أو كادت .. وانتهت فزاعة السلفيين أو كادت .. والفضل في ذلك يعود بعد الله جل شأنه إلي ثورة 25 يناير النبيلة التي فتحت الأبواب لكل التيارات أن تظهر إلي العلن وتعبر عن نفسها .. ولكن بقيت الفزاعة الإيرانية أو الشيعية تنتشر وتتوغل. من العجيب أن أكثر الذين يساهمون في تصعيد هذه الفزاعة ينتمون إلي التيار الإسلامي من الإخوان والسلفيين الذين ينظرون إلي إيران من منظور ديني مذهبي ليس إلا .. ويضعون أي حديث عن العلاقات مع إيران في إطار التنافس التاريخي التقليدي بين السنة والشيعة .. والخوف من التمدد الشيعي في بلاد أهل السنة .. وذلك رغم ان هؤلاء الإسلاميين هم أكثر من ذاقوا مرارة الإقصاء والتخويف والتخوين بسبب المنافسة السياسية .. وهم أكثر من ألصقت بهم التهم لإبعاد الناس عنهم. الاستثناء قليل جداً في هذا الصدد.. وفي الواقع لم أقرأ تصريحات متوازنة إزاء الفزاعة الإيرانية إلا في قول الدكتور محمد سليم العوا المرشح الرئاسي بأنه سيقف مع إيران إذا دخلت في حرب مع إسرائيل .. وقول السيد عمرو موسي إنه من الضروري إقامة علاقات قوية مع إيران وتركيا لدواعي حماية الأمن القومي المصري والعربي وقول الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح إنه سيعمل علي إعادة العلاقات مع إيران. ومما يؤسف له ان قطاعات عريضة عندنا تضع يدها علي قلبها خوفاً من الغزو الشيعي الديني والسياسي إذا ما سمعت أي حديث عن عودة العلاقات مع إيران .. والاتهامات دائماً جاهزة لمن يتجرأ ويقتحم هذه المنطقة المفزعة .. ومعروف ان الدكتور سليم العوا واجه علي سبيل المثال اتهامات صريحة بأنه شيعي .. واضطر وهو العالم والمفكر الجليل إلي أن يدافع عن نفسه .. ويشرح مبررات رؤيته المتوازنة تجاه إيران الشقيقة والصديقة. وكتب الأستاذ إبراهيم سعدة في "الأخبار" أمس انه يتفق مع عمرو موسي صديقه القديم في كل شيء إلا دعوته لإقامة علاقات قوية مع إيران التي يحكمها الملالي والتي تحتل ثلاث جزر إماراتية وتهدد أمن البحرين والسعودية وتضع اسم قاتل الرئيس السادات علي أحد شوارعها في طهران العاصمة. ولا أدري كيف غاب عن الأستاذ سعدة ومن يتبني رؤيته ان العلاقات بين الدول لا تحكمها هذه المعايير .. وإنما تقوم علي المصالح المتبادلة وضرورات الأمن القومي.. فهل يستسيغ العقل ان نقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل العدو الأول والاستراتيجي ونقطع علاقاتنا مع إيران؟! وهل يستسيغ العقل ان تكون مصر هي ثالث ثلاث دول من بين دول العالم كله لا تقيم علاقة مع إيران .. وليس يسبقها في ذلك إلا إسرائيل وأمريكا؟! وهل يستسيغ العقل ان تكون إيران هي الشريك التجاري الأكبر والأهم لدولة الإمارات رغم النزاع القائم بينهما حول الجزر .. ولكل من البلدين سفير نشط لدي الدولة الأخري .. ناهيك عن علاقات إيران التاريخية مع البحرين والسعودية والكويت وعمان وكافة دول الخليج .. ولم تتأثر هذه العلاقات بالنزاعات التي تنشأ بين الجانبين .. بينما ندافع نحن عن قطع علاقاتنا مع إيران علي طول الخط؟! إن العلاقات الدبلوماسية بين الدول لا تعني أبداً ان هذه الدول متطابقة أو متماثلة في كل شيء.. وإنما تعني ان هناك مصالح يجب الحفاظ عليها بين هذه الدول .. ومن ناحية أخري فإن إيران الشيعية ليست وليدة اليوم .. ولسنا في موضع المفاجأ بمذهبها الشيعي حتي نخاف من ان يهدد مذهبنا السني .. فقد كانت إيران شيعية عندما أقام السادات علاقات وثيقة مع الشاه رضا بهلوي .. وكانت إيران شيعية عندما تزوج الشاه الأميرة فوزية شقيقة فاروق ملك مصر. وكانت إيران شيعية عندما اعترف الأزهر الشريف بالمذهب الشيعي الجعفري الإثنا عشري كأحد المذاهب المعتمدة للعبادة في مصر وقاد تياراً قوياً للتقريب بين المذاهب الإسلامية. وسوف تظل إيران شيعية سواء أقمنا معها علاقات أم لا .. لكن الحقيقة التي يجب أن نتنبه إليها أننا في حاجة إلي علاقات قوية مع إيران مثلما نحن في حاجة إلي علاقات قوية مع تركيا .. وتوازن القوي في منطقتنا يدفعنا إلي ذلك دفعاً حتي ونحن في خلاف سياسي أو مذهبي مع إيران أو تركيا أو أي من دول الجوار .. ومن ثم علينا أن نغير رأينا وننظر إلي القضية نظرة أعمق وأوسع. أعرف انني أضع نفسي في مهب الريح .. وربما يلاحقني اتهام من هنا أو هناك .. لكن حسبي انني قلت ما أعتقد انه الصدق من أجل وطني ومن أجل ديني .. والله من وراء القصد وهو يهدي إلي سواء السبيل.