الإنجاز الكبير الذي نجحت السياسة في تحقيقه حتي الآن أن جعلت المصريين جميعاً غاضبين حانقين.. كل طرف غضبان من الأطراف الأخري ولديه أسبابه.. والأطراف الأخري غضبانة منه وساخطة عليه ولديها أسبابها.. لم تترك لنا السياسة هامشاً للتوافق والاتفاق والتلاقي.. ولم تعطنا أملاً في لحظة فرح.. وإنما كلما اقتربت منا لحظة الفرح وئدت في مهدها وعدنا بسرعة إلي حالنا الدائم.. غضب واحتقان وتحفز ويأس وإحباط.. وفوق ذلك كله خوف من المجهول المفاجئ الذي سيحدث غداً. مجلس الشعب غضبان من الحكومة ومن المجلس العسكري وقرر تعليق جلساته كنوع من الضغط عليهما.. ولكن هناك عدداً من النواب غاضبون من قرار تعليق الجلسات.. ويؤكدون أن الأزمة بين حزب الحرية والعدالة وحكومة الجنزوري لأسباب خاصة بهما.. وتواترت أنباء عن استجابة المجلس العسكري لطلب البرلمان بإسقاط الحكومة وربما يتم تكليف د. الجنزوري بتشكيل حكومة جديدة خلال الساعات القليلة القادمة.. وهو ما يعني أننا أمام تعديل وزاري وليس حكومة جديدة بالكامل.. وربما يشمل التعديل خمسة أو ستة وزراء لا أكثر. الدكتور الجنزوري أيضاً غضبان لأنه لا يريد أن يخرج من الوزارة بطريقة مهينة هذه المرة أيضاً مثلما حدث في عهد مبارك.. ويري أن أداءه جيد وملتزم بالمصلحة الوطنية.. وقد رفض تقديم أي نوع من التنازل عندما طلب منه إجراء تعديل وزاري محدود من تلقاء نفسه أو تقديم بيان جديد للحكومة يتجنب الملاحظات والسلبيات التي طرحها أعضاء مجلس الشعب علي بيانه الأول. المجلس العسكري غضبان هو الآخر ويري أن الأحزاب والائتلافات لم تقدر دوره حق تقديره.. ولم تقابل جهوده في لم الشمل بما تستحق من شكر وامتنان.. ودائماً ما يضع حماية الثورة في كفة وهتاف "يسقط حكم العسكر" في كفة أخري ليكتشف أن تضحياته تقابل بالجحود والنكران.. ولولا تدخله مع الأحزاب مؤخراً لما أمكن التوصل إلي توافق بشأن تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور. لكن اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشعب التي يرأسها المستشار محمود الخضيري تكاد تنفجر غضباً بسبب تدخل المجلس العسكري مع الأحزاب لوضع معايير الجمعية التأسيسية.. وتري انها المختص الوحيد بشأن معايير وضوابط تشكيل الجمعية التأسيسية استناداً إلي المادة "60" من الإعلان الدستوري التي جعلت انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية حقا خالصا للأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري. ولذلك وجهت اللجنة جام غضبها للمجلس العسكري وللأحزاب التي شاركت في اجتماعه.. واتهمت هذه الأحزاب صراحة بأنها تهرول في اتجاه كل صاحب سلطة لأنها رضيت بأن تذهب إلي المجلس العسكري بعد أن انسحبت من جلسات الاستماع التي عقدتها اللجنة في محاولة الوصول إلي التوافق.. ووصفت ما حدث بأنه وصاية وعملية مهينة وافتئات علي البرلمان.. فقال المستشار محمود السقا من حزب الوفد إن المجلس العسكري تدخل فيما لا يعنيه وهو أمر مؤسف وخطيئة كبري. الإخوان أيضاً غاضبون طوال الوقت ويرون أن الأغلبية التي انعقدت لهم في انتخابات برلمانية حرة نزيهة يجري تفريغها من مضمونها عن طريق تهميشهم وإظهارهم بمظهر العاجز أمام الشعب وعدم تمكينهم من أي تغيير في أي اتجاه أو تحقيق أي إنجاز.. كما أنهم غاضبون من حلفائهم السلفيين الذين سارعوا لتأييد عبدالمنعم أبوالفتوح في انتخابات الرئاسة وتركوا د. محمد مرسي.. كما أنهم تخلوا عنهم في قضية الصراع مع حكومة الجنزوري. والسلفيون أيضاً غاضبون من الإخوان ويرون أنهم لا يعاملونهم علي قدم المساواة.. وغاضبون من آلة الإعلام الجهنمية التي تلصق بهم ادعاءات كاذبة بين الحين والآخر لتخويف الناس منهم.. وكان آخر ادعاء كاذب يختص بمشروع قانون لا أصل له حول ما سمي ب "مضاجعة الوداع" الذي يسمح للزوج بأن يضاجع زوجته من خلال الست ساعات الأولي بعد وفاتها.. والسلفيون يقولون هذا افتراء كبير علينا بالضبط مثلما افتروا علينا من قبل وقالوا إننا نشكل هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والليبراليون غاضبون ويرون أن الإسلاميين يهرولون للتكويش علي السلطة وتحويل البلد إلي دولة دينية كهنوتية.. ويستخدمون أغلبيتهم البرلمانية في قهر الأقلية. وائتلافات شباب الثورة أيضاً غاضبون ويرون أن الأحزاب سرقت منهم ثورتهم.. وأن الفلول يرفضون التغيير ويقاومونه بكل الوسائل. وأنصار أبوإسماعيل غاضبون.. وأنصار عمر سليمان وشفيق غاضبون.. وأنصار البرادعي غاضبون.. و6 أبريل غاضبون.. ورفعت السعيد غضبان.. والناصريون غاضبون.. وكل من كان ينتظر ثمرة ولم يحصل عليها غضبان. ونحن أيضاً غاضبون منهم جميعاً لأنهم حولوا حياتنا إلي غضب دائم وصراعات وتكتلات.. وحولوا الثورة النبيلة إلي مجرد انقلاب أطاح بالرئيس وفتح الباب ل 13 رئيساً بعده يتناحرون ويتصارعون. نعم.. نحن غاضبون من الجميع.. غاضبون.. غاضبون.. فاتقوا الله فينا.