أفزعني وأفزع المصريين جميعاً المانشيت الرئيسي الذي نشرته الزميلة "الأخبار" أمس الأول علي لسان المهندس خيرت الشاطر مرشح جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة والذي يقول فيه: "جاهزون للكفاح المسلح إذا فاز الفلول بالرئاسة". ورغم هذا الفزع فقد كان واجباً الانتظار حتي نستوثق من صحة الخبر.. خصوصاً أن مضمون التقرير الذي وضع عليه هذا العنوان الصادم لم يجعل الجملة التي ورد فيها تعبير "الكفاح المسلح" علي لسان الشاطر وإنما جعلها مروية عنه هكذا: "وهدد الشاطر بالكفاح المسلح حال فوز أحد مرشحي النظام السابق بانتخابات الرئاسة قائلاً: إذا كان خلع النظام القديم تكلف أكثر من 1200 شهيد فإعادة إنتاجه ستكلفنا آلاف الشهداء". أضف إلي ذلك أن الصحف الأخري القومية والحزبية والمستقلة التي نقلت لقاء الشاطر بالمنوفية ونشرت كلامه في هذا اللقاء لم تأت علي ذكر تعبير "اللقاء المسلح" الذي انفردت به "الأخبار" وإنما نقلت قوله: مستعدون للاعتصام بالميادين وإعادة إنتاج الثورة وتقديم الشهداء ومفردات كثيرة مثل ذلك. وبالأمس نشرت "الأخبار" تصحيحاً للتصريح المثير للفزع دون أن تعلق علي هذا التصحيح ودون أن تتمسك بما نشرته عن حكاية "الكفاح المسلح".. وهذا سلوك مهني حميد تشكر عليه "الأخبار".. ونقلت عن مدير المركز الإعلامي للحملة الانتخابية للشاطر أن المرشح الرئاسي لم ولن يدعو إلي الكفاح المسلح إلا إذا تعرضت مصر لعدوان خارجي لا قدر الله. وزيادة في التأكيد نشرت بعض الصحف هذا التصحيح بشكل أو بآخر علي لسان مسئولي الحملة الانتخابية للشاطر في محاولة للتأكيد علي تمسك الرجل "بالنضال السلمي لضمان نقل السلطة وتحقيق النهضة واستمرار الثورة". وحسناً فعلنا بالانتظار حتي تتضح الصورة.. أو هكذا نظن.. ولكن لماذا شعرنا بالفزع من مانشيت الأخبار: "جاهزون للكفاح المسلح"؟! لأننا لا نريد تحويل الانتخابات الرئاسية وتحويل بلدنا إلي ساحة حرب تسفك فيها الدماء بين الفصائل والأحزاب والتيارات السياسية والفكرية.. الانتخابات الرئاسية منافسة سياسية سلمية.. ويجب أن نتمسك جميعاً بأن تكون كذلك بعيداً عن لغة التهديد والوعيد وبعيداً عن الحرب الأهلية حتي لو فاز الفلول في الانتخابات. الفوز في الانتخابات مرتبط بإرادة الناخبين ونزاهة الصندوق ليس أكثر.. ومادامت المنافسة مفتوحة ومتاحة للجميع علي قدم المساواة وبحرية كاملة فلا مجال للتهديد والوعيد. وأيضاً لا مجال لأن تتصيد الصحف ووسائل الإعلام كلمة من هنا وكلمة من هناك لإثارة الفزع والبلبلة بين الناس تجاه مرشح معين لأنها ترفضه.. وإنما علينا جميعاً أن نلتزم بالحقيقة التي تبحث عنها مهنة الصحافة لكي تقدمها إلي الناس خالصة صافية وتدافع عنها بكل قوة.. حتي لو كانت هذه الحقيقة في صالح الخصوم. وعلينا أيضاً أن نلتزم بالتقاليد السياسية السلمية للعملية الانتخابية.. وعندما نجد من يخرج عليها نقف في وجهه حفاظاً علي أمن واستقرار وسلامة الوطن حتي نجنبه أية هزات أو مغامرات غير محسوبة العواقب. وعلي المرشحين جميعاً.. وبالذات الذين ينتسبون إلي التيار الإسلامي أن يبتعدوا تماتماً عن استخدام المفردات الملتبسة التي يمكن أن تحمل أكثر من معني في هذا الصدد خشية من ألا يؤخذ كلامهم علي المحمل الحسن.. لا أقول ذلك لأن هناك افتراءات علي المرشحين الإسلاميين فحسب وإنما لأن هناك أيضاً أخطاء حقيقية وقعت منهم ومن أنصارهم تجعل الجمهور متحفزا ومفزوعا من أية تعبيرات تشير ولو من بعيد إلي إمكانية الصدام الدامي. مثلاً.. نسبت الصحف إلي الشيخ حازم أبوإسماعيل قوله: "سأقاتل وليكن ما يكون".. وهو تصريح يأخذنا مباشرة إلي الحرب والعنف إذا ما كان صادقاً.. وفي لقاء مسجد أسد بن الفرات هتف أحد أنصار الشيخ المتحمسين قائلاً: "بايعوه علي الدم". ومع كامل احترامنا وتقديرنا لهذا الارتباط الوثيق بين الشيخ ومؤيديه إلا أن الانتخابات أولاً وأخيراً عملية سياسية تنافسية.. ويجب أن تكون بمنأي عن "القتال" و"الدم". الانتخابات مبارزة بالأفكار والبرامج من أجل إقناع الناس بجدارة هذا المرشح أو ذاك.. ولن ينصلح أمر هذا البلد إلا إذا كانت المنافسة الانتخابية بين أقوياء علي مستوي المنصب الرفيع الذي يتسابقون إليه وليس بين مرشح واحد ومجموعة كومبارس كما كان يفعل النظام السابق.