الحمد لله الذي وفقنا جميعا لاختيار المهندس خيرت الشاطر فهو أردوغان العرب ومنقذ الاقتصاد المصري.. ورجل دولة من الطراز الأول وفي عهده إن شاء الله سيري شعبنا الحبيب الخير والعدالة وتتحقق باقي أهداف الثورة. حسناً.. هذا رأي الدكتور حسن البرنس عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة كما نقلته "اليوم السابع" من صفحته الرسمية علي الفيس بوك.. وله كل الاحترام والتقدير.. ولكن يبدو أن أسرة الشاطر كانت أكثر إدراكا للمخاطر التي تحيط بترشيحه للرئاسة فقد نقلت "اليوم السابع" أيضا عن ابنته حفصة ما كتبته علي حسابها الشخصي قائلة: "إن هذا الابتلاء الكبير يفوق عندنا في صعوبته ابتلاء السجن.. وابتلاء السجن أحب إلينا من ابتلاء السلطة.. أسأل الله أن يجنبنا الفتن ويعينك ويعيننا". وكتبت ابنته سارة خيرت الشاطر علي حسابها الشخصي ب "الفيس بوك": مثلي مثل باقي المصريين أتابع بيان الإخوان وصدمت باختيار الدفع بأبي كمرشح للرئاسة ولا يسعني إلا أن أقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خير منها". نعم.. هي مصيبة بالفعل.. ولكن ليس بالمعني الأخلاقي الذي قصدته حفصة وسارة وإنما بالمعني السياسي الذي يتسع للحراك الكبير الذي حدث وسوف يحدث بعد أن ألقي بالمهندس الشاطر في خضم الترشيحات الرئاسية ليكون مرشحاً رسميا لجماعة الإخوان وحزبها. ولاشك أن الجماعة ذاتها استشعرت هذه المصيبة السياسية وهي تصوت علي قرار الترشيح.. فقد جاء هذا القرار بعد عدة اجتماعات عقدت وانتهت بالتأجيل ما يعني أن الولادة كانت متعسرة.. وفي الاجتماع الأخير صدر قرار الترشيح بأغلبية 56 صوتاً مقابل 52 ما يعني أن أصوات الترجيح لم تزد علي أربعة. والذين صوتوا ب "لا" في مجلس شوري الجماعة ليسوا بالطبع ضد المهندس خيرت الشاطر المشهود له بالقدرة والكفاءة وإنما هم الذين أدركوا مخاطر ترشيحه في هذه المرحلة علي مجمل الأوضاع في مصر.. وأول هذه المخاطر وضع مصداقية الجماعة وحزبها علي المحك.. ذلك أن الناس يتذكرون جيداً الوعود الكثيرة التي قطعتها الجماعة علي نفسها بأنها لن ترشح أحداً من اعضائها للرئاسة ولن تدعم أحداً.. وأنها أقالت الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح حينما خالف رأيها.. فكيف يستقيم تشدد الأمس ضد مرشح إخواني للرئاسة مع تقديم مرشح جديد إخواني للرئاسة اليوم1⁄4! ولم يفلح في مواجهة خطر نسف المصداقية ما جاء في البيان الرسمي للجماعة من إشارة إلي تغير الظروف والخوف من ضياع الثورة وفشل التحول الديمقراطي.. فهذه الصياغات العامة لم تعد مقنعة للرأي العام.. وكان من الأفضل أن تعلن بشكل صريح ومباشر ما هي الظروف التي تغيرت ولماذا أو كيف.. وماهو الخطر الذي يهدد بضياع الثورة ويهدد مرحلة التحول الديمقراطي. المصارحة هنا كانت واجبة وبالتفصيل لكي يقتنع الرأي العام وتقتنع الجماهير التي صوتت في الانتخابات البرلمانية لصالح الإخوان.. ومعلوم أن هذه الجماهير ليست كلها من أعضاء الجماعة.. بل هي بالتأكيد أكثر اتساعا من العضوية المنظمة في الجماعة وحزبها.. وتتأثر بما تبثه ماكينة الإعلام الآن من تشكيك في مصداقية الجماعة قديما وحديثا.. وبما تلوح به الأطراف المناوئة من تهديدات يحملها المستقبل القريب.. وهذه الجماهير العريضة تريد أن تطمئن إلي أنها أحسنت الاختيار وأنها وضعت ثقتها في محلها. وثاني المخاطر يتعلق بالانقسام الداخلي في الجماعة الذي يبشر به كل من يتحدث في وسائل الإعلام حالياً.. وقد بدا منه بعض استقالات وانتقادات واعتراضات.. وليس خافيا علي أحد أن شباب الإخوان كان يضغط من أجل تأييد أبو الفتوح كما أن هناك قطاعا مهما من القادة الميدانيين للإخوان الذين رددوا أمام مؤيديهم في القري والاحياء والحارات أن الجماعة لن تقدم مرشحا هؤلاء القادة يستشعرون الحرج الآن وهم يغيرون توجهاتهم وأقوالهم. وثالث المخاطر يتعلق بالخوف الذي انتاب القوي الإسلامية المستقلة وتلك التي تنتمي إلي أحزاب صغيرة ناشئة من أن يؤدي الدفع بالمهندس خيرت الشاطر إلي تفتيت أصوات الإسلاميين ويصب في صالح خصومهم السياسيين وهؤلاء يقولون آن عمرو موسي يضحك الآن في "كمه" بينما أعلن المستشار البسطويسي مرشح التجمع صراحة أن ترشيح الشاطر جاء لصالحه. أعلم جيداً أن من حق كل حزب أن يرشح من يشاء.. وأن اللعبة السياسية لا تعترف بالثبات.. ولكن السياسة التي هي فن الممكن لا تقوم علي الحق فقط وإنما هناك الأهم من الحق وهو المواءمة وكيفية استخدام الحق.. وربما لو تم ترشيح الشاطر في توقيت مبكر.. وربما لو كشف الإخوان النقاب كاملا عن الاسباب القوية التي دفعتهم لتغيير موقفهم لحصلوا علي تعاطف شعبي أكثر.. ولكن مجئ ترشيح الشاطر عقب الأزمة التي اثارها تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور ذهب بقسط كبير من هذا التعاطف.. وسوف يكون علي الجماعة والحزب أن يتبنوا خطابا سياسياً جديداً أكثر براعة وصدقاً ومصارحة وانفتاحاً ليستردوا هذا القسط الضائع.