لأني كنت حريصا علي اقتناء تسجيلات سيد درويش. وكل مايتصل بهذه العبقرية المصرية. فقد دعاني الصديق الناقد المسرحي الراحل سمير عوض لسماع سيد درويش في تسجيلات ربما لم استمع اليها من قبل. زرته في مكتبه بالقرب من المسرح القومي لا أذكر تسمية المكان لكنه كان مركزا لكل ما يتصل بتاريخ المسرح المصري.. لااعرف الان ان كان يؤدي عمله. أم أنه اندثر مثل أشياء جميلة غابت عن حياتنا. لكنني غادرت المكان محملا بمفاجأتين: الاولي اني كنت عاشقا لتراث سيد درويش الغنائي. فصدمني صوته وهو يغني: انا هويت وانتهيت تساءلت في دهشة: هل هذا صوت سيد درويش؟!.. غاب عن تصوري ان جمال الحان المؤلف الموسيقي في الالحان نفسها. وليس في أداء الملحن. اما المفاجأة الثانية. فهي ماسأحدثك عنه: كان المكان في مرحلة الاعداد والفهرسة اختلطت الكتب والرسائل والسير الشخصية حاولت ما وسعني ان اتفادي الاصطدام بها. او الدوس عليها ودفعني الفضول الي التقاط كراسة تتضمن "أوبريت" من ألف ليلة وليلة. تقاسم تأليفه مصطفي ممتاز وتوفيق حسين الحكيم. وبالطبع فإن كل قراء العربية والمهتمين بالمسرح العربي المعاصر. يعرفون الحكيم جيدا. ويدركون دوره في حياتنا الابداعية. ليس في المسرح فقط. وانما في كل المجالات. شأنه في ذلك شأن رواد النهضة الحديثة: طه حسين والعقاد والزيات وسلامة موسي والمازني وغيرهم. اما مصطفي ممتاز فقد تعرفت الي ترجمة حياته من استاذنا يحيي حقي. وانه كان مبدعا من جيل الحكيم. له محاولاته التي تزكيه لموضع متقدم بين رواد نهضتنا الحديثة. وكان الرجل موظفا في وزارة الداخلية. لاشك ان رحلة الحكيم الباريسية ساعدته علي تجويد فنه. بحيث اصبح المعلم الاهم في المسرح العربي الحديث. اما ممتاز فمن الواضح ان ظروف الحياة قد شغلته عن الابداع. لم اكن قرأت هذه الاوبريت. وحين سألت سمير عوض. قال انها عمل مجهول ينتسب الي بدايات الحكيم. بدت لي الاوراق المتناثرة في أرضية المكان اقلبها واقرأ عناوينها وبعض صفحاتها. اذكر اني كتبت انبه الي خطورة ضياع تراثنا المسرحي بتلك الصورة العبثية. لا اعرف ان كانت كلماتي قد لقيت استجابة وان المتبقي من ذلك التراث العظيم قد انقذ من التبدد. لكنني تذكرت ماحدث وانا أقرأ ماكتبته الزميلة سناء صليحة في الاهرام عن عشرات الوثائق المهمة المودعة عند تجار الكتب القديمة. وبعض المواطنين الذين يدركون قيمتها. بالاضافة الي مايندس في ركام الأوراق التي لانعرف قيمتها فهي "تدشت" أو تتحول الي قراطيس عند باعة اللب. أما الزميلة الاخبار فهي تطالعنا بتحقيق عن مكتبة رفاعة الطهطاوي. وفيها الكثير من المخطوطات النادرة. وما لقيه من تلف وعبث بمحتوياتها. فضلا عن السرقات القديمة التي افادت من الاهمال الذي كانت تعانيه محتويات المكتبة. اخطر مايحمله ضياع التراث في كل صوره انه اشبه بالجسد الذي تحلل. هل يمكن ان نعيد اليه الحياة؟!