في سنة 1881 لجأت الثورة العرابية إلي سن قانون للمطبوعات لحمايتها من تطاول الصحف عليها ونقدها المستمر لها.. وعندما خضعت البلاد للاستعمار عام 1882 قرر المعتمد البريطاني اللورد كرومر ايقاف العمل بهذا القانون وسمح للصحف بحرية النشر دون التعرض بالنقد للمحتل البريطاني.. وذلك علي أساس ان الحرية الصحفية تعني معرفة كل مجريات الأمور.. وبدونها لا يستطيع أحد ان يعرف ما يدور من أحداث.. والغريب ان مجلس شوري القوانين والجمعية العمومية كانا يطالبان بتقييد هذه الحرية.. ولكن اللورد كرومر رفض هذا الطلب ومضت الصحف التي كانت تصدر في هذه الأيام وهي الاهرام وكان توزيعها في عام 1892 قد سجل أعلي رقم هو 2775 نسخة يليها جريدة الاستاذ ووصل توزيعها إلي 2288 نسخة ثم المقطم وبلغ توزيعها 1455 نسخة ومضت هذه الصحف في نقد الحكومة نقدا لاذعاً. وفي سنة 1894 زاد عدد الصحف بصورة ملحوظة وزاد معها النقد.. ولذلك اضطرت الحكومة إلي اتخاذ قرار غريب.. يقضي بمنع مندوبي الصحف من دخول الدوائر الحكومية ومنعت العاملين في الحكومة من أكبر إلي أصغر شخص من التحدث إلي الصحفيين وذلك اعتباراً من 16 فبراير سنة .1897 وبعد سنوات رحل كرومر عن مصر وأتي بدلاً منه لورد بورست الذي تحالف مع الخديو والحكومة وتم اعادة الحياة لقانون مطبوعات الثورة العرابية وعندما زادت عدد الصحف والمجلات زاد عدد الصحفيين ظهرت دعوة لتنظيم مهنة الصحافة وتضمنت هذه الدعوة وضع ضوابط لآداب المناظرة وتطالب الصحيفة بعدم المبالغة في المدح أو الذم لأن النقد أو ابداء الملاحظات مقصور به التقويم وليس المجاملة أو الابتزاز وألا يعتمد الصحفي علي مصادر غير موثوق بها أو بأمور مبنية علي التأويلات والاستنتاجات والظنون. وهكذا كانت الصحافة دائماً مثار قلق للحكومة والمسئولين وفي عهد الملكية كانت الصحف تنشر حملات نقد لاذع وتسرد حقائق لا يستطيع المسئولون ان ينكروها وكثيرا ما أحيل الكتَّاب والصحفيين إلي المحاكم بتهمة العيب في الذات الملكية وبتهم السب من خلال النشر.. وفي عهد ثورة 23 يوليو لم تكن هناك أي حرية صحفية بل قصفت الأقلام وكممت الأفواه.. وخلال الثلاثين سنة الماضية عاد النقد اللاذع في الصحف غير القومية.. وسمح المسئولون بهذا النقد طبقاً لمبدأ "دعهم يكتبون ما يريدون ونحن نفعل ما نشاء".