لا يصح أن تستمر تقاليد القبيلة وأحكامها في دولة القانون التي نجتهد في بنائها بعد الثورة.. ولا يصح طبقا للشريعة الإسلامية الغراء ولا للقانون المصري معاقبة أبرياء بسبب جريمة ارتكبها مواطن لمجرد أنهم يشتركون معه في الدين.. أو أنهم من أقاربه.. والقرآن الكريم يقول بكل وضوح: "ولا تزر وازرة وزر أخري".. ويقول: "كل نفس بما كسبت رهينة". لذلك يجب علي مجلس الشعب وعلي عقلاء هذه الأمة التدخل سريعا لوقف تنفيذ الحكم الجائر الذي قضي به أحد شيوخ المجالس العرفية بتهجير 8 أسر قبطية من قرية طيبة بالعامرية عقابا لها علي قيام ترزي قبطي بتصوير سيدة مسلمة في أوضاع مخلة علي تليفونه المحمول.. ونشر هذه الصور بين أصدقائه. وكانت اشتباكات بالأسلحة النارية قد اندلعت بين الشباب المسلم الغاضب في القرية وبعض أقارب الترزي أسفرت عن إصابة ثلاثة مسلمين واحتراق عدد من منازل الأقباط ومحلاتهم.. وانتهي الأمر بعقد جلسة عرفية صدر فيها حكم التهجير بينما النيابة وأجهزة الشرطة مازالت تحقق في القضية. ولاشك في أن الترزي ارتكب جرماً بشعاً.. والقانون فيه العقوبة الرادعة لمثل هذا الجرم.. وعليه أن يحمل وزر ما كسبت يداه.. ولكن ما ذنب الأسر القبطية الثمانية التي تعيش في القرية؟!.. هذه الأسر تضم مواطنين أبرياء ربما لم يشاركوا في الجرم ولم يحرضوا.. ولم تكن لهم علاقة به من قريب أو بعيد.. فلماذا يعاقبون؟! هؤلاء مواطنون مصريون لهم كل الحقوق الدستورية المتساوية مع إخوانهم المسلمين.. ولا يجب أن تمس أحدهم عقوبة إلا بذنب ارتكبه وجرم ثبت في حقه.. وكلنا أمام القانون سواء. ومما يؤسف له أن الحكم بتهجير الأقباط عرفيا من منازلهم تكرر قبل ذلك مرتين في جرائم وقعت بالصعيد.. وهو حكم مرفوض تماما.. لأنه يأخذ البرئ بجريرة المذنب.. مما يصيب المواطن القبطي بالمرارة أينما كان.. ويشعره بأنه ليس مواطنا في دولة القانون وإنما هو منقوص الحقوق.. منقوص المواطنة. لابد أن تتغير هذه الثقافة القبلية بسرعة.. لم يعد هناك وقت لهذه الممارسات التي تخالف القانون.. وتخالف الدين.. وتخالف الفطرة الإنسانية والعدالة.. وروح المواطنة التي نسعي لغرسها في النفوس.. حتي تتعافي مصر وتخرج من أزماتها المتتالية. نحن نتحدث دائما عن المساواة وعدم التمييز.. والدستور الجديد لابد أن ينص علي هذه القيم الحضارية الراقية.. ولذلك فإن المسلمين في هذا البلد ينزعجون قبل إخوانهم المسيحيين من مثل هذه الأحكام والتقاليد البالية. نريد أن نروج لثقافة جديدة في نظام يبني من جديد.. ثقافة المساواة الكاملة في المواطنة.. ثقافة المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات.. واحترام الإنسان من حيث كونه إنسانا بصرف النظر عن دينه ولونه وجنسه وعرقه.. واحترام الدستور والقانون. هذه هي القيم المشتركة التي يجب أن نتدرب عليها.. ونلزم أنفسنا بها في الدولة الديمقراطية الحديثة.. دولة الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية.. دولة الإنصاف والمساواة بلا تمييز ولا قهر. وليس من باب التكرار التأكيد علي أن وحدتنا الوطنية هي صمام أمن وسلامة واستقرار البلد.. ولن تتحقق هذه الوحدة الوطنية بالمجالس العرفية وإنما باقتناع كل منا بأنه سيد في الوطن.. وبتطبيق القانون علي المخطئ.. سواء أكان مسلماً أو مسيحياً.. والقانون يعني استرداد هيبة الدولة ومكانتها.. ويعني المساواة المطلقة بين جميع المواطنين.. ويعني حماية مصر من أن تدخل في نفق مظلم. أقولها وبأعلي صوت: لا لتهجير الأقباط من بيوتهم.. لا للعقوبة الجماعية لإخواننا الأقباط علي جريمة ارتكبها أحدهم.. لا تجعلوا أحدا في مصر في درجة أدني من الآخر.. ولا لعقوبة تصدر خارج نطاق القانون.