"لا أخشي علي الفصحي إلا من عامية بيرم" هذه المقولة التي أطلقها أمير الشعراء أحمد شوقي عندما سمع " شمس الأصيل /تحفة ومتصورة في صفحتك يانيل/ والناي علي الشط غني/ والقلوب بتميل/ مع هبوب الهوا" تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم و"يا حلو صبح يا حلو طل" للرائع محمد قنديل "عنابي" لكارم محمود وغيرهم من المطربين الشعبين والمقصود هنا بمفرده "الشعبيين" من لهم شعبية ومستمعون وليس بالمعني الانحطاطي للغة.. ما يعنينا اليوم هو انتشار ظاهرة أدبية مرضية لا تدل إلا علي فراغ العقل والموهبة والمعجم اللغوي واستغلال من يدعون أنهم "كتاب" بأن هذه هي صورة المجتمع وما يريده الشباب.. الغريب هنا أن الكتب الهابطة تلك تباع وتوزع وتترجم أيضا وتلك سبة في جبين مصر.. أن تصدر هذه النوعية من "الفبركات" وليست المؤلفات. أدلل علي ذلك ببعض الكتب التي ظهرت تحمل اللهجة العامية الدارجة والتي إن تقبلناها في الحديث لانستطيع تقبلها كتابه .. كانت البداية مع "شكلها باظت" ورغن أن الكاتب ينتمي الي أهل الصحافة إلا أنه فضل اللهجة العامية في كتابة لكنه لم يسقط بالمعني الي دائرة الابتزال والكتاب كان طريفا لأنه كان أول كتاب ينتقد الظواهر الاجتماعية بلهجة ساخرة لم يعبه إلا عاميته المفرطة.. ويبدو أن رواج المؤلف الأول بين الشباب جعل نفس المؤلف يصدر كتابا آخر بعنوان "مصر مش أمي دي مرات أبويه" علي نفس النهج من النقد اللاذع. توالت بعد ذلك تلك النوعية فجاءت صاحبة مدونة بفكره طبع ما جاء علي مدونتها من مذكرات فتاة تنتظر العريس وكان بعنوان "عايزه أتجوز" وعندما تحول لعمل درامي بالتليفزيون المصري طيب الله مثواه.. راجت الفكرة وقررت البنات إعادة التجربة وظهر في الاسواق "يوميات نبوته" بنفس الفكرة ونفس الطريقة وبعدها ظهرت بالاسواق الطبعة الاولي من كتاب "الحالة الاجتماعية مطلقة" وهنا تبدأ الكارثة التي تهدد لغتنا القومية التي بدأت تتسرب من بين ألسنتنا ما بين فرنجة المفردات والعامية الهابطة. المولفات الأولي من "شكلها باظت ومصر دي مش أمي" وزعت نسخا عديدة ثم تطور الأمر لتحويل الاعمال لمسلسلات دمها خفيف كما يراها البعض والبعض الآخر وجدها "استهبالا وتدهورا للفنون الراقية التي حفل بها تاريخنا كما في "عايزة أتجوز" وبعد ذلك تأتي الطاقة الكبري بترجمة هذه الاعمال الي الانجليزية والألمانية وتباع في مصر والمانيا وأمريكا ولأن صاحبة المؤلف تمتلك دارا للنشر فقد قررت أن توالينا بالمزيد من هذه الإصدارات فلها تحت الطبع "طلقني شكرا" "بنت تحت الصفر" .. وبالطبع لن استطيع الحديث عن كتب لم تصدر ولكنني اتناول ما صدر قد يكون الهدف هو الحديث عن حالات وأشكال من العلاقات الفاشلة بين زوجين والنتيجة الطلاق.. الهدف قد يكون نبيلا وهو طرح أفكار وحلول وإعطاء خبرات للبنات المقدمات علي الزواج .. ولكن نيل الفكرة إن لم يأت في سياق فكري وقالب لغوي يلمح ولا يصرح بالكثير من المواقف.. أصبح المؤلف مبتذلا والقيمة مفقودة والكارثة أن هذا هو ما يترجم عن مجتمعنا للغرب والغرب الذي تصله صورة المجتمعات العربية علي أنها نساء متخلفات يغسلن أرجل أزواجهن بالماء الساخن والملح ويرقص لهم علي طريقة شهر زاد وشهريار .. أو أمرأة منكوشة الشعر والفكر ورجال خائفون ونساء ساقطات هذا ليس مجتمعنا ولا تلك هي لغتنا. إذن ما المطلوب من هذا الكلام؟ مؤكد ليس الحجر ولا حظر هذه المؤلفات فأنا مع حرية الإبداع والمبدع ولكن علينا أن نفكر ماذا بعد ترويج هذه الافكار؟ ضياع للغة الأم وتشويه للمجتمع المصري ليس تشويها لصورته فقط إنما تشويه للفكر فكل من يقرأ هذا السفه ويقتنع به ويربي عليه لن ينتج إلا عقولا خربة. علينا برفض هذه النوعية من الكتب .. فالمجتمعات العربية التي تعلمت وتثقفت علي الأدب العربي المصري والقامات العالية لم يصل إليها أدبنا إلا من خلال لغة فصحي أو عامية متفصحة.. هي الآن تستهجن هذا الشكل مما يطلق عليه مجازا تأليفا.. نخسر القاريء المصري والعربي الواعي ونفقد صورتنا بعد أن نترجم هذا الهزل!!