يبدو أن دار الكتب والوثائق القومية في سبيلها الآن إلي استعادة دورها الذي تراجع كثيراً في الفترة الماضية. وربما يكون اختيار القيادة الجيدة المتخصصة هو الخطوة الأولي علي هذا الطريق. بالأمس وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم ود. هشام عزمي رئيس الدار للإعلان عن تفاصيل عودة مخطوط "المختصر في علم التاريخ" الذي خرج من مصر في سبعينيات القرن الماضي اتضح أن الوزيرة أحسنت الاختيار وأعطت العيش لخبازه بالفعل فقد بدا د. هشام عزمي من خلال حديثه وكذلك مع خلال دموعه التي تساقطت وهو يحكي قصة استعادة المخطوط. فاهماً وواعياً بقيمة وأهمية المكان الذي يرأسه والدور الذي يجب أن يلعبه في حياتنا الثقافية. وإذا كان د. هشام عزمي قد بذل جهوداً مضنية لاستعادة هذا المخطوط المهم. فإن جهوده لم تكن لتنجح لولا حماس ودعم د. إيناس عبدالدايم وتوفيرها كل الأسباب التي ساعدت علي استعادة المخطوط في وقت قياسي وربما لعبت الصدفة دورها ليقدم رئيس دار الكتب "أوراق اعتماده" مبكراً كقيادة ثقافية واعية. ومتخصصة حيث بدأت رحلة استعادة المخطوط بعد توليه منصبه بعدة أيام. "الكافيجي" صاحب المخطوط هو علامة كبير. اعتبره السخاوي علامة الدهر وواحد العصر وفخر هذا الوقت والزمان. كما اعتبره السيوطي إماماً كبيراً في المعقولات كلها. ولد الكافيجي عام 788 هجرية في الأناضول ودخل مصر عام 841 وأقام في القاهرة ومخطوط "المختصر في علم التاريخ" نسخة الجوهري وكان هو نفسه علماً من أعلام التاريخ. ونسخه بعد ثمانية أيام فقط من كتابته. قيمة تراثية وتنبع أهمية مخطوط الكافيجي من تفرده بقيمة تراثية وعلمية كبيرة. حيث يعد أقدم رسالة إسلامية معروفة عن نظريات التاريخ. ويمتاز بأصالة منهجه. حيث اهتم بتوضيح المناقشات النظرية للتاريخ في منهج قصصي. وقد ميز الكافيجي بين التاريخ وعلم الكلام وعلوم الفقه والتشريع. ويعد المخطوط مرجعاً مهماً لما بعده من كتابات ولولا هذا المخطوط لما ظهر كتاب "الإعلان بالتوبيخ" للسخاوي. بدأت رحلة استعادة المخطوط في شهر إبريل الماضي عندما أعلنت صالة "بونهاس" للمزادات في لندن عن بيع مخطوط بعنوان المختصر في علم التاريخ وعلي الفور ناشدت عدة جهات. من بينها اتحاد الآثاريين العرب. في بيان نشرته الصحف المختلفة الأربعاء 25 إبريل الماضي. الجهات المعنية بوقف بيع هذا المخطوط لأهميته التاريخية من جهة. ولحق مصر الأصيل في ملكية المخطوط من جهة أخري. وفي اليوم التالي نجحت دار الكتب في إيقاف البيع بعد أن أثبتت. بما لا يدع مجالاً للشك. ملكيتها لهذا المخطوط مدعمة ذلك بكل الوثائق التي قطعت الشك باليقين. كان من الممكن كما يقول د. هشام عزمي أن ينتهي الأمر بإيقاف البيع. لكن دار الكتب اختارت الطريق الصعب وواصلت الجهد في سبيل استعادة المخطوط مرة أخري. وبدأت رحلة المفاوضات المضنية التي تمت علي مرحلتين تمثلت الأولي في التفاوض مع مسئولي صالة البيع حيث تم تسليمهم نسخاً مصورة من فهرس دار الكتب المصرية المثبت فيه عنوان ورقم المخطوط. والمحضر الذي تم تحريره لدي الشرطة بمعرفة دار الكتب. بالإضافة إلي شهادة من دار الكتب المصرية بأنها لم تتخل عن ملكية المخطوط سواء بالبيع أو بغيره. ومن هنا قررت صالة المزادات إحالة الأمر إلي حائز المخطوط. فبدأت الرحلة الثانية من التفاوض لإعادة المخطوط إلي مصر. والتي انتهت بموافقة حائز المخطوط علي إعادته لدار الكتب. وبعد النجاح في إيقاف البيع. رفع د. هشام عزمي. تقريراً وافياً إلي د. إيناس عبدالدايم. والتي فوضته بالسفر بنفسه إلي لندن ليكلل جهوده بإعادة المخطوط إلي مصر. وبالفعل تسلم د. هشام عزمي المخطوط يوم 13 يوليو الماضي وفور عودته توجه به إلي مكتب وزيرة الثقافة في انتصار جديد يحققه المصريون في معركة استعادة ممتلكات مصر المسلوبة وإعادتها إلي حضن الوطن. المخطوط كان يحمل خاتم الكتب خانة الخديوية. ويحمل تاريخ نسخة واسم الناسخ ووقت الانتهاء من النسخ. وهذا ما كان موجوداً في النسخة التي في لندن. وهو ما أكد أحقية مصر في استعادته. واتضح أن جد حائز المنشور كان من هواة شراء المخطوطات ويجوب العالم شرقاً وغرباً لاقتنائها. لم يفصح د. هشام عزمي عن اسم أو جنسية حائز المخطوط. وإن كانت د. إيناس عبدالدايم قد أكدت أنه سيتم تكريم الرجل وأسرته حتي يكونوا قدوة لغيرهم ممن يحوزون مخطوطات مصرية. ولأن هناك مخطوطات كثيرة خرجت من مصر بطرق غير شرعية. فقد أعلن د. هشام عزمي عن تأسيس وحدة في دار الكتب. أسوة بإدارة "الآثار المستردة" بوزارة الآثار. تكون مهمتها متابعة المزادات العالمية حتي إذا اكتشفت وجود مخطوط مصري يتم التعامل مع الموقف فوراً. د. هشام عزمي أعلن كذلك خلال المؤتمر المضي قدماً في مشروع تضمنة المخطوطات. مؤكدا أن الباحثين لا يطلعون علي المخطوطات الأصلية بل علي نسخ منها حتي يمكن الحفاظ علي الأصل. مشيرا في الوقت نفسه إلي أن دار الكتب ستستخدم حقها القانوني في اعتبار أن المخطوطات تراث فكري وليست تراثاً مادياً. وبالتالي تكون مسئوليتها حقاً أصيلاً لدار الكتب. وليس لأي جهة أخري.