أخيراً.. وافقت حكومة الدكتور عصام شرف علي السماح للمصريين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات تنفيذا لحكم القضاء الاداري الذي صدر في هذا الشأن يوم الثلاثاء الماضي.. وجاءت هذه الموافقة كأول رد فعل رسمي يعطي الأمل في إنهاء القطيعة الطويلة بين هؤلاء المغتربين ووطنهم الأم.. ويجعلهم يشعرون بأنهم جزء أصيل من هذا الوطن.. ولم ينفصلوا عنه. انحاز مجلس الوزراء بهذا القرار الي الثورة وروحها وأخلاقياتها.. ولم يستسلم للبيروقراطية المصرية العتيدة الكسيحة.. التي تخشي التجربة.. وتتشكك في كل شيء جديد.. وتقدم مبررات ساذجة وعبثية من أجل أن تقف بالمرصاد ضد الارادة الشعبية. لقد صدر القرار السياسي المطلوب بمقتضي موافقة مجلس الوزراء.. ونتمني أن يصدق المجلس العسكري علي هذا القرار في أقرب فرصة حتي تهدأ الاعصاب المشدودة.. ويطمئن المصريون في الخارج ان الجدار العازل الذي كان قائما بينهم وبين وطنهم قد سقط.. وأنهم سيشاركون حقا وفعلا في الانتخابات القادمة.. البرلمانية والرئاسية.. ولم يعد في مقدور أحد أن يعيد عجلة التاريخ إلي الوراء. وسوف يكون علي اللجنة التشريعية في مجلس الوزراء ووزارة الخارجية واللجنة العليا القضائية المشرفة علي الانتخابات دراسة آليات التنفيذ واتخاذ الاجراءات اللازمة لضمان نجاح هذه الخطوة الحضارية التي تأخرت كثيرا حتي تستكمل مصر المشهد الديمقراطي بكل أركانه دون اقصاء لأي طرف.. فالبلد ليس بلد الذين يعيشون فيه فقط.. وإنما هو أيضا بلد أبنائه الذين خرجوا وراء الرزق والعلم أينما كانوا.. وسوف يعودون إلي أحضانه في يوم ما طال الزمان أم قصر. ويبقي علي المصريين بالخارج أن يتنبهوا إلي أهمية اللحظة التاريخية التي يمر بها وطنهم.. وأن يساعدوا علي نجاح التجربة في أول اختبار لها.. وذلك بأن يسارعوا الي تسجيل أسمائهم بالسفارات والقنصليات.. حتي ييسروا إجراءات التصويت أمام اللجان القضائية التي ستشرف علي الانتخابات هناك.. وأن تكتمل حلقة الوعي العام.. فمن أراد أن يمارس حقه الطبيعي في الانتخابات فلابد أن يقدم إثبات الشخصية والجنسية. واذا كنا نشكو هنا من عمليات التزوير وبيع الأصوات.. وهناك تخوف حقيقي من ممارسات خاطئة في بعض السفارات.. وبالذات في الدول العربية التي يقيم فيها بعض المغتربين الفقراء.. فلابد ان تقوم روابط المصريين في الخارج ويقوم رؤساء الجاليات وجمعياتهم وتنظيماتهم بحملات توعية لضمان أن تكون عمليات التصويت حرة ونزيهة. نحن هنا متحمسون جدا للتجربة ونتمني نجاحها.. ونهنئ قيادات منظمات المصريين بالخارج الذين تميزوا بالصبر والشجاعة حتي حصلوا علي حقهم.. لكننا في الوقت ذاته نرجو أن تكون هذه الخطوة إضافة حقيقية وإيجابية الي مسيرة الديمقراطية وليست خصما منها. نرجو ان يكون تصويت المصريين في الخارج لمصر وعلي مبدأ الصلاحية وليس علي أسس عرقية أو طائفية.. وأمامنا تجربة تونس الناجحة التي استطاعت اثبات أهلية المهاجرين التوانسة ليس فقط للتصويت وإنما أيضا للترشيح والفوز في الانتخابات. إن اشراك المصريين المقيمين بالخارج يساعد بلا شك علي إدماجهم بشكل أفضل في النسيج الوطني.. ويشجعهم أكثر علي المشاركة في جهود التنمية واللحاق بالعصر الذي تتطلع اليه مصر في مستقبل أيامها.. ولذلك فإننا ننتظر من هذه الخطوة الجريئة ان تسجل نتيجتين سريعتين علي المدي القريب هما: * زيادة التحويلات المصرية من الخارج.. وزيادة حجم الاستثمارات التي يقوم بها المصريون بالخارج في وطنهم الأم.. فهم الآن ليسوا ضيوفا ولا يتم استدعاؤهم للاستثمار مثل الخواجات.. وإنما هم شركاء أصليون.. يتمتعون بحماية الدستور والقانون كأي مواطن مصري في الداخل. * اتساع دائرة التفاهم لما يجري علي أرض الوطن بعيدا عن التهويلات الاعلامية الفضائية.. خصوصا عندما يدرك المصريون في الخارج ان وطنهم يفتح ذراعيه لهم.. يأتون اليه متي شاءوا ويغادرون متي شاءوا.. بلا حساسيات.. وبلا قوائم ترقب ومنع وشكوك. ولعل مشاركة المصريين بالخارج في الانتخابات تجعلهم أكثر اهتماما وتفاعلا مع قضايا الوطن.. خصوصا بعد ان اقتربت المسافات واصبح العالم قرية صغيرة بفضل الاعلام الفضائي.. ويمكن لهؤلاء ان يشاركوا بالرأي في كافة القضايا المطروحة من خلال استضافتهم في البرامج الحوارية.. حتي ينتهي احساسهم بالغربة.. ويعودوا الي وطنهم قلبا وقالبا.. بالروح والجسم معا. لقد زادت مصر بقرار السماح للمصريين بالخارج في الانتخابات ولم تنقص.. وقويت ولم تضعف.. والخائفون من التجربة سوف يكتشفون في النهاية أنهم كانوا علي خطأ.