الفتوي في الدين مقامها عظيم. وأثرها في الناس خطير. فإن المفتي موقع عن رب العالمين. وقائم في الأمة مقام النبي الأمين صلي الله عليه وآله وسلم ولئن كانت حاجة الأمة إلي الفتوي كبيرة فيما مضي. فإن الحاجة إليها في هذه الأيام أشد وأبقي لكثرة المستجدات وحوادث الأيام والليالي. وقد جاء الإسلام بأحكامه وتشريعاته الفقهيَّة الخاصَّة بجميع أمور حياتنا. وكلّ ما يتعلَّق بصغائر الأمور وكبيرها في الدنيا؛ ليسعد الإنسان في حياته وبعد مماته. والمرجع في ذلك القرآن الكريم. والسنَّة النبويَّة. والتشاور بين أهل الرأي. ومن هنا ظهرت "الفتوي" وللإفتاء مكانة عظيمة. ومنزلة كبيرة. قال تعالي: "وَيَستَفتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ للَّهُ يُفتِيكُم فِيهِنَّ". فربنا يخبر في قرآنه أنه هو سبحانه الذي يفتي عباده. فإن الفتوي تصدر أساسًا عن الله. فهي خطاب من الله كالحكم الشرعي.. والنبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يتولي هذا المنصب في حياته. باعتبار التبليغ فكل ما يلفظ به هو وحي من الله. كما قال تعالي: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَي إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحَي". وكان ذلك من مقتضي رسالته. وقد كلفه الله تعالي بذلك حيث قال: "وَأَنزَلنَا إِلَيكَ لذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ". وأول من قام بالإفتاء: كان هذا مقام رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم من بعده فقهاء أصحابه والتابعين . ثم الفقهاء المجتهدون في الشريعة وعلماء المسلمين بشروط استوجبوا توافرها فيمن يتصدي للإفتاء. لعلو مكانته ورفعة شأنه وكبير موقعه. إن الفتوي لها أثرى كَبيرى في تحقيق السلم المجتمعي بعيدًا عن الإفراط والتفريط. وإرساء قيم الوسطية والاعتدال والبعد عن التشدد والمغالاة. وتنقية الخطاب الديني من الشوائب التي علقت في عُقولِ البعضِ من جراء قراءات قاصرة ومجتزئة للإسلام أسهمت في تشويه صورة الإسلام والمسلمين حول العالم. وقدمت صورة لغير المسلمين لا تعبر بحال عن صحيح الدين وقيمه الأساسية ومبادئه السامية. إن الأمة التي تبقي مخلصة لعلمائها. هي أمة مؤهلة للسعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة. الدكتور أسامة العبد رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب ورئيس جامعة الأزهر الأسبق