كدت أسلم الأمل من عودة الشاعر المسرحي الكبير مهدي بندق لحياتنا الثقافية إلي اليأس. لولا مكالمته الهاتفية التي فسرت الغياب بظروف الانتقال من بيته المتهدم إلي بيت آخر في برج العرب. يعزله في ظروف صحية طارئة عن المجتمعات التي ألف العيش فيها. افتقدنا في غياب مهدي بندق شخصية مثقفة واعية. لها حضورها الفعال. ليس في الوسط الثقافي السكندري وحده. وإنما في الوسط الثقافي المصري والعربي بعامة. وعلي سبيل المثال فإن اسم مجلة "تحديات ثقافية" التي كان يصدرها مهدي بندق لم يكن يخلو من دلالة التحدي والمقاومة. والسعي لتغيير الساكن حرصت المجلة في توالي أعدادها ان تناقش القضايا الثقافية المثارة. أو المسكوت عنها. من خلال خط فكري مغاير في أحيان كثيرة للأفكار المطروحة بتعدد اتجاهاتا. عدا "أدب ونقد" فإن "تحديات ثقافية" حرصت علي مجاوزة منهج السكلانس الذي كان سمة لمجلات هيئة الكتاب كانت مجلات الهيئة قبل أن يطرأ عليها ما نثني عليه بالإضافة إلي مجلات الهيئات الأخري التابعة لوزارة الثقافة. تلملم ما يقدمه لها الكتاب. تختار ما تراه صالحاً للنشر. لا تضع لنفسها منهجاً ولا خطاً فكرياً تلزم نفسها به. وتحفز كتابها للتحرك في إطاره سواء بالمناصرة أو الرفض. تحديات ثقافية اختارت التقدم منهجاً وهدفاً تتجه إليه موادها. من خلال المزاوجة بين التراث والمعاصرة. وتقديم الكتابات التي تعبر عن أحدث ابداعات هذا العصر. ومجاوزة التخلف والغيبيات العقيمة والأفكار الساذجة. لم يكن مهدي بندق ينظر ما يبعث به الكتاب. إنما كان يتصل بالمبدعين والمفكرين الذين يجد في كتاباتهم ملامسة لوجهات النظر في مجلته. أو أنها تخالفها في حدود الموضوعية تحولت المجلة إلي ساحة للابداع الجميل. والفكر المستنير والدراسات التي تضيف إلي بيئتنا الثقافية. ولا تنقص منها. اختفت التحديات الثقافية منذ أشهر بعيدة. دون أن تنفض البلادة رأسها. وتسأل عن اسباب اختفاء ذلك المعلم المهم الذي مارس في حياتنا الثقافية دوراً فاعلاً يصعب اغفاله. حتي مهدي بندق لم نعد نسمع له حساً. شملت اسهاماته القصيدة والمسرح الشعري والنقد والمشاركة في المؤتمرات والمهرجانات ورغم ابتعادي القهري عن الاتصال المباشر بالحياة الثقافية فإن غياب مهدي بندق هو غياب لملمح مهم. أو ظاهرة ابداعية وفكرية رائعة. سألت أصدقاء عن الظروف التي ابعدت مهدي بندق عن قرائه وتلاميذه ومحبيه. تباينت الأجوبة: قيل إنه أوقف تحديات ثقافية بسبب نقص التمويل وقيل إنه تأثر للغاية برحيل السيدة الفاضلة زوجته. وقيل إنه وجد في المواقع الالكترونية متنفساً لابداعاته وافكاره. وقيل كلام كثير. المهم أن مهدي بندق عاد إلي حياتنا الثقافية ولو من خلال صوته الهاتفي ويبقي أن يسترد دوره الغائب في حياتنا الثقافية ما بين مهرجانات ومؤتمرات وندوات وكتب ومسرحيات شعرية ودوريات مطبوعة.. ذلك الدور يجب ان يعود بالمكانة نفسها التي كانت له في قلوبنا. عزيزي مهدي بندق نحن نعتز بك. ونرحب بعودتك قيمة ثقافية رائعة!