شباب مثل الورد "علم. أخلاق. تربية. وطموح" وفجأة يقع في هوّة المرض العقلي وما أدراك ماهو. حيث لا مقارنة بينه وبين المرض العضوي الذي مهما كان شديداً فمازال لدي صاحبه عقلا مفكراً ولساناً ذاكراً وأملا في رحمة الله يحميه من اليأس. ومهما كان حمله ثقيلا علي من حوله فبكلمة طيبة أو نظرة شكر يهون عليه أي تعب أما المريض العقلي فعكس ذلك تماماً فعندما يختل بداخله العقل الواعي الذي يميزه عن باقي المخلوقات يفقد معه التمييز بين كل المتناقضات. وما يجعل الموضوع صعباً أن أبسط الأمراض العقلية تأخذ وقتاً طويلا وجهداً كبيراً ومالا وفيراً حتي للشفاء التام فما بالكم بالمعقد منها؟ مخطئ من يظن أن المجانين في نعيم لأنهم يعيشون عين الجحيم ويشاركهم فيه من حولهم ويجب هنا أن نميز بين المعاقين ذهنيا وأولئك الذين انفصلوا عن الواقع وإذا اتصلوا به جزئيا يرون كل ما فيه ضدهم وكأن العالم كله يحاربهم. كل هذا يجعلنا نبذل كل جهدنا لنحمي أنفسنا ومن تتحمل مسئوليتهم من الوقوع فيه بالحفاظ علي صحتنا النفسية في مستواها الطبيعي علي الأقل إن لم يكن تطويرها وتنميتها وهذا لا يحدث إلا بمعرفتنا بأهم الاسباب المؤدية إليه وأبرزها ما اسماه العلماء "التشوهات الفكرية" التي تأتي نتيجة اعتناق مبدأ أو فكرة خاطئة تبني عليه شخصية مشوهة أيضا مثل اعتناق مبدأ الكل أو لا شيء فإما أن يكون صديقي مثاليا أو افقد الثقة به. وأما أحصل علي الوظيفة التي أحلم بها أو أظل عاقلا وأبنائي إما يكونوا مثاليين أو اعتيرهم فاشلين. الحقيقة أن الآية القرآنية "فاتقوا الله ما استطعتم" والمبدأ الفقهي "ما لا يدرك كله لا يترك كله" وهذا ما يتيح لنا وسطية ومرونة تجعلنا نعيش في سلام داخلي مع انفسنا وهو المعني الحقيقي الذي يتدرج تحته كل ما يخص الصحة النفسية. فما يصلني من محن آباء تعرضوا لهذا النوع من الابتلاء يندي لها الجبين فما أصعب علي الأب من أن يري البناء الذي ظل يشيده علي مدار سنوات عمره ليأوي إليه ينهار أمامه وهو يقف مكتوف اليدين لا يقدر علي إنقاذه لهذا فالوقاية هنا ضرورة قصوي لأن العلاج غير مضمون.