يوم الخميس الماضي تركتني أختي مع حفيدها داخل السيارة وذهبت لشراء لوازمها من السوبر ماركت المجاور. انخرط الطفل "4 سنوات" في البكاء لأن الجدة تركته وأخذت شقيقه الأكبر معها. وأمام صراخه تفتق ذهني عن فكرة تشغله وتريحني من إزعاجه؟ سألته : تعرف "بامبي" انتبه بفضول: "بامبي" مين؟ ده غزال جميل في فيلم كرتون حلو قوي إيه رأيك نتفرج عليه؟ سألته وأنا أعرف حُبه الشديد لأفلام الكرتون وبالفعل شغلت الفيلم بفضل "الآي باد" واليوتيوب. وتابعت ردود أفعاله وهو مشغول بالفرجة علي حكاية أشهر غزال في عالم الكرتون وأشهر شخصيات ديزني. وفيلم "بامبي" يحكي قصة غزال ولدته أمه في الغابة واسمته "بامبي" واحتفلت بميلاده العصافير والأرانب والسناجب وحتي الأغصان التي تمايلت مع الغناء والموسيقي. يعتبر هذا الفيلم من أفضل الأفلام الامريكية علي مر التاريخ رشحه معهد الفيلم الأمريكي ضمن قائمة أفضل عشرة افلام كلاسيكية وهو حاصل علي ثلاث جوائز أوسكار "احسن صوت. احسن أغنية. أحسن موسيقي". في عام 2011 سجل الفيلم في "السجل الوطني للفيلم" في مكتبة الكونجرس وأتذكر انه منذ أكثر من 35 سنة تقريبا رافقت ابني وكان في عمر الحفيد لمشاهده "بامبي" في سينما مترو ضمن عروضها صباح كل يوم جمعة للأطفال. ومن وقتها لم ولن أنسي التأثير الغريب الذي أحدثه الفيلم عليه أو الاسئلة اللحوحة التي كان يطرحها أثناء الفرجة كلما ظهر الغزال بامبي الصغير بدون أمه. المدهش أنها نفس الأسئلة التي طرحها الحفيد ونفس التأثير تقريباً. و"بامبي" من إنتاج 1942 للمخرج دافيد هاند ويعتبر من أبدع انتاج والت ديزني وهذه الشخصية "بامبي" اخترعها في كتاب المؤلف النمساوي فيلكس سالتي عام 1923 ولاقت رواجاً عالياً وحققت أعلي المبيعات ثم تحولت إلي فيلم كرتون. تمت دبلجته بالمناسبة إلي العربية وموجود علي الإنترنت لمن يريد مشاهدته. وفي اليوم التالي طلب الحفيد الصغير أن يشاهد الفيلم مرة أخري وبالحاح. وبينما أغوص في شبكة المعلومات لإشباع فضولي أكثر حول "بامبي" وتأثير شخصيات ديزني غير المحدودة علي أطفال العالم فوجئت بمقال شدني شداً بعنوان : "بامبي الصغير.. صهيوني" نشرته صحيفة لوموند ثم نشرته مترجما صحيفة عربية علي موقعها ولم أكن قد قرأته. وها أنا أقتطع منه أجزاء.. يقول في البداية : لقد إنتظرنا نحو سبعين عاماً منذ أن تبني ديزني شخصية "بامبي" الكرتونية عام 1942 وحولها إلي فيلم سينمائي حتي نكتشف أن العمل يروج للصهيونية إن بامبي شخصية غزال صغير مقطوع الجذور يتيم اخترعه النمساوي فيلكس سالتي وأخرجه إلي الضوء عام 1923 في كتاب وبعد ثلاث سنوات من اقتباس "ديزني" رحل المؤلف. إلا أن مقالاً بعنوان "بامبي" ما نفستو سياسي نشرته مؤخراً صحيفة لوموند الفرنسية أعاد الفيلم والقصة إلي الواجهة ثم قام باحثان بالتحقيق في الخلفية التي بني عليها الكاتب شخصية بامبي والهدف من صناعتها لكي يصلوا إلي أن "بامبي" شخصية مجازية تصور وضع يهود أوروبا. واستشهدت الصحيفة بمقال نشره الباحث الأدبي الأمريكي بول ريتر في موقع "جويش ريفيوز أوف بوكس" عام 2014 كشفت فيه أن المؤلف النمساوي قدم الغزال الصغير "بامبي" كشخصية تقتلعة الجذور. تفتقد الأمان بعد مقتل والدته. وأنه في بحث دائم عن "أرض الميعاد". "أرض الأجداد". ونشرت جزءاً من الحوار مع والدة "بامبي" وهي تشكو من انعدام الأمان وغياب الثقة ثم تستند قائلة "لا أحد يشعر هنا بالأمان "!" فهذه المرارة المرعبة التي لا يبدو أن لها نهاية تنشر الحقد والهمجية وتقوض الوعي. وتحطم العادات الجميلة وتدمر الثقة.. ثم يكشف مقال لوموند النقاب عن شخصية الكاتب وميوله وأهوائه الصهيونية منذ صدور كتاب "بامبي" 1923 حيث شارك في العام نفسه في المؤتمر الثالث عشر للصهيونية الذي انعقد في تيشكوسلوفاكيا. وبعد ذلك بعامين نشر روايته الجديدة باللغة الألمانية بعد زيارة فلسطين بعنوان "تبختر جدد علي أرض قديمة" كما أنه كان تلميذاً لتيودور هرتزل "1860 1904" الأب المؤسس للصهيونية. وهكذا يتبين أن الشخصية الكرتونية "بامبي" التي اخترقت وعي أجيال وأجيال ما هي إلا عجينة في صناعة الصهيونية والأمر ليس مستبعداً في أن تكون شخصيات أخري تتماهي مع هذه الدعاية. * * منذ اختراع الصور المتحركة "السينما" لم تتوقف الصهيونية بعد مؤتمر بازل الأشهر "1897" عن توظيف الاختراع الجديد في تكريس وتعميق المبادئ والشخصيات التي تروج للصهيونية حتي حولت قلعة السينما هوليود إلي "إمبراطورية ملك لهم".