هل سبق أن وصلك منشور علي صفحتك في الفيس بوك. يذكرك بعيد ميلاد أحد أصدقائك. ويطالبك بكتابة شيء علي صفحته لتهنئته بهذه الذكري أو "لكي يعلم أنك مازلت تذكره". مع أن هذا الصديق فارق الحياة منذ فترة؟ ماذا يكون شعورك عندما تقرأ مثل هذه الرسالة؟ هل تشعر بأن صديقك. المتوفي. لا يزال حيا؟ وهل تتذكر في تلك اللحظة موقفا أو حوارا دار بينك وبينه فيما مضي؟ هل تتمني لو كان بامكانك ان تجري معه "شات"؟ أم تدعو له بالرحمة والمغفرة. باعتبار أن الموتي لا يعودون؟ في عام 2013 تنبأ الكاتب والمخترع وعالم المستقبليات الامريكي راي كورزويل بأنه في 2045 لن يكون هناك فارق كبير بين حياة الجسم البشري وبين موته وان الجانب البيولوجي للبشر لن يكون بالأهمية نفسها التي يتمتع بها حاليا بمعني أننا سنصبح. غير بيولوجيين. إلي حد كبير. ومع تراجع قيمة الجسد تزايد الاتجاه العالمي لحرق جثث الموتي بدلا من دفنهم في المقابر التي تلوث البيئة وتحتل مساحات كبيرة من الأرض. وفي ضوء التغير في تعاملنا مع الأموات يأتي التغير في طريقة تذكرنا لهم كما يأتي التغير في طريقة مواساة أهله. لدرجة اننا اصبحنا نقيم سرادقات العزاء ونواسي بعضنا بعضا علي صفحات السوشيال ميديا!! ويقول العلماء إن قدرات الكمبيوتر ستتطابق قريبا مع قدرات المخ البشري وعند هذه النقطة سيصبح وعينا مختلطا. بشكل وثيق مع الذكاء الآلي. وهذا سيقودنا إلي نوع من الخلود. في احدي مقابر المستقبل بطوكيو. مثلا نجد بقايا الموتي مكدسة وراء جدران من تماثيل بوذا المتوهجة وعندما يقوم الزائر بتمرير بطاقة الكترونية تتوهج أضواء الليد من المكان الذي توجد به رفات الراحل العزيز. ويتسابق رجال الأعمال لحل مشكلة "الكرامة الرقمية للموتي". هناك موقع يسمي ديجيتال بيوند أو "ما بعد الرقمية". وهو يحتفظ بقائمة الشركات التي تعالج كل شيء. ابتداء من اغلاق حسابات الموتي علي مواقع التواصل الاجتماعي او الحفاظ علي نعي دائم للميت. إلي إنشاء نصب تذكارية إلكترونية تفاعلية. ومعظم هذه الشركات تتيح. لمن يرغب نشر نصوص ومقاطع فيديو بعد الوفاة او حتي تتيح لك ارسال رسائل من العالم الآخر لمن تحبهم علي الفيس بوك. كأن تهنئهم بأعياد ميلادهم. أو بذكري زواجهم. أو بالمناسبات والأعياد العامة. ربما كان هذا الكلام غريبا. ولكن ذلك يعود بالدرجة الاولي إلي أننا لم نتكيف علي ثقافة التغيرات السريعة في عالمنا. وهناك برامج آلية للدردشة علي الإنترنت يمكنها محاكاة اسلوب تحدث الشخص الميت. وتستطيع الابقاء علي "الذات الرقمية" للفرد تتحدث لفترة طويلة بعد ان يغادر صاحبها الحياة. ويجري خبراء الكمبيوتر عمليات تطوير لما يطلقون عليه "الخلود المدعم". وهذه العمليات تستجمع كل المعلومات عن الميت لخلق حضور افتراضي له. علي الإنترنت. كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تمكين الكمبيوتر من التفكير كإنسان علي مستوي عال من الثقافة والمعرفة. ويعتقد الخبراء بأنه لو استمر التقدم في الدمج بين الإنسان والكمبيوتر فإن ذلك قد يتحقق عام 2029. وسيكون هناك قدر كبير من التشوش في القدرة علي التمييز بين الإنسان والكمبيوتر ولو صحت تلك التوقعات. فإن ما سنفعله بجثة المتوفي. سواء بالحرق او الدفن. لن يكون ذا أهمية كبيرة. ويري هؤلاء انه سيكون بوسعنا خلق أجسام افتراضية لابائنا مثلا في الفضاء الالكتروني دون أن تتعرض هذه الاجسام للتحلل الذي يحدث لأجسامهم البيولوجية!! لكن البعض يسخرون من هذه الرؤية. باعتبارها غير معقولة من الناحية التكنولوجية او غير مقبولة فلسفيا فتخيلنا للخلود يجعلنا نحلم بحياة افضل من تلك التي نعيشها وهذه الرؤية قد تدفعنا أيضا لانكار الموت! وسواء أردت أو لم ترد. فإن بعض أشكال الحياة الرقمية فيما بعد الموت اصبحت موجودة بالفعل. وهناك تفاصيل أخري في الطريق.