تضاربت الأنباء حول طبيعة النقلة التاريخية التي سوف يحدثها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته الحالية للسعودية.. في أي اتجاه ستكون هذه النقلة التي تحدثت عنها مصادر أمريكية وإسرائيلية بقدر كبير من التحفظ والغموض.. وهل ستكون لها علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي وصفقة القرن التي لم يفك رموزها أحد حتي الآن.. أم أن الرجل سينقلنا بنقلته هذه بعيداً عن القضية المحورية الأساسية ويأخذنا معه إلي استراتيجياته الجديدة وتحالفاته المشبوهة تحت شعار مكافحة الإرهاب حتي يفرض علينا التطبيع مع إسرائيل فرضا وينسينا كل ما يتعلق بفلسطين. وعلي الرغم من أن زيارة ترامب للسعودية سوف تتضمن عقد 3 قمم رسمية.. الأولي مع الملك سلمان والثانية مع قادة دول الخليج والثالثة مع قادة 37 دولة عربية وإسلامية أعضاء فيما سمي بالتحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي دعت السعودية إلي تشكيله فإن المصادر الإسرائيلية المطلعة تؤكد إلي حد اليقين أن ترامب لن يقدم أي خطوة دراماتيكية لتحقيق تسوية سياسية مع الفلسطينيين خلال القمم الثلاث.. وأن الضجيج الإعلامي الذي يحدثه في هذا الشأن مقصود لذاته لأنه من مقتضيات الأمن القومي الأمريكي.. وغاية ما سيفعله ترامب في هذا الشأن الضغط علي السلطة الفلسطينية لكي تقوم بدورها في الحرب علي الإرهاب.. مقابل أن يقبل نتنياهو بالجلوس علي مائدة المفاوضات من جديد مع محمود عباس دون أي شروط مسبقة أو ملزمة. والمفهوم الأمريكي الإسرائيلي من دور السلطة الفلسطينية في الحرب علي الإرهاب ينحصر في قمع المقاومة وتفعيل التعاون الأمني لحماية إسرائيل وتغيير المناهج الدراسية التي تحض علي كراهية إسرائيل وتصفها بالعدو المغتصب والتوقف عن صرف أي مساعدات لأسر الشهداء والمعتقلين الذين تعتبرهم إسرائيل إرهابيين.. باختصار شديد سيكون علي السلطة الفلسطينية مسئولية تغيير الهوية وتزييف الوعي الفلسطيني حتي تدخل نادي "الحرب علي الإرهاب".. لكن الأمر المؤكد هنا أن ترامب لن يفرض أي تسوية سياسية علي إسرائيل.. وليس لديه توجه حقيقي في ذلك.. ومن يعتقد غير هذا فإنه يخدع نفسه. ربما ستكون صفقة الأسلحة الأمريكية المتقدمة للسعودية أبرز عناوين المحادثات الأمنية والاستراتيجية التي سيجريها ترامب في الرياض وأكثرها وضوحاً.. بالنظر إلي حديث ترامب المتكرر عن ضرورة أن تدفع دول الخليج.. والسعودية تحديداً.. ثمن حماية أمنها.. ومن خلال هذه الصفقة الكبري ستضمن واشنطن استمرار تشغيل مصانع السلاح والحصول علي فواتير منتظمة وإتاحة فرص عمل جديدة تنفيذاً لوعود ترامب الانتخابية. أما الملف الأكثر حساسية في الزيارة فسيكون ملف التحالف العربي الإسلامي الأمريكي لمكافحة الإرهاب.. وهو الملف الذي يتحدث عنه كثيرون كلاماً عاماً دون تحديد حتي الآن بين مؤيد ومعارض.. وتتناقل بعض مواقع شبكة الإنترنت تقريراً نشره موقع "ديبكا" الاستخباراتي الإسرائيلي يقول إن ترامب سيعلن يوم 22 مايو أي بعد غد في القمة الأمريكية الإسلامية عن تشكيل "ناتو عربي إسلامي سني" لمواجهة أخطار إيران وحزب الله الشيعي اللبناني التي تهدد دول مجلس التعاون الخليجي.. وتنص خطة ترامب حسب الموقع علي أن تزود إسرائيل الجيش العربي الإسلامي المزمع إنشاؤه بالمعلومات الاستخباراتية التي يحتاجها التحالف السني نظراً لما تملكه إسرائيل من أقمار صناعية هائلة وأجهزة وبرمجيات متطورة للرصد والتعقب وتحليل المعلومات. وإذا حدث هذا فإن العرب والمسلمين الذين سيدخلون هذا الحلف المزري سوف يكون عليهم أن يبتلعون الطعم الأمريكي كاملاً.. ويستسلموا لمشيئة ترامب ومؤامراته الكبري المعلنة لتأليب الدول العربية والإسلامية علي بعضها البعض.. وتضخيم تناقضاتها وإشعال الحروب بينها لتبديد ثرواتها في صراعات داخلية بين السنة والشيعة وصرف أنظارها عن إسرائيل وقضية فلسطين وضمان اندماج إسرائيل في هذا التحالف ولو من وراء ستار لتحقيق التطبيع الكامل بلا أدني ثمن.. وأيضاً ضمان تشغيل مصانع السلاح الأمريكية وتجريب هذا السلاح مجاناً في حروب الهنود الحمر الجدد. السيناريو واضح تماماً لكل ذي عينين.. ولن يعذر أحد بجهله وعدم معرفته.. وإن لم يتشجع القادة العرب بالوعي الكافي وفضيلة الرفض فسوف يبتعلون الطعم الأمريكي وندخل في حروب بالوكالة بين السنة والشيعة حتي يتم أكلنا واحداً بعد الآخر.. فهل نتعلم الدرس؟!