حين تصبح موانع السلام العربي - العربي أكبر من معوقات السلام العربي - الإسرائيلي هنا لابد من البحث عن جذور الصراعات التي استنبتت بذورها حتي قبل وعد بلفور الذي خرج إلي الوجود منذ مائة عام عبر رسالة بعث بها وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور إلي اللورد ليونيل وولتر روتشيلد زعيم الطائفة اليهودية في انجلترا والذي تقرب إليه حاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل فيما بعد. وناحومن سوكولوف ونجحا في إقناعه بالسعي لدي حكومة بريطانيا للمساعدة في بناء وطن قومي لليهود في فلسطين. رغم عدم اقتناع بيت روتشيلد "بالغ الثراء. ومن أساطين المال والأعمال في أوروبا وأمريكا" في البداية بمسألة وطن قومي لليهود علي يد تيودور هيرتزل. غير أن متغيرين دفعاه إلي تبني الفكرة أولهما: هجرة مجموعات يهودية كبيرة إلي الغرب الأوروبي ورفضها الاندماج في مجتمعاتها الجديدة. ومن ثم تولدت مشكلات عديدة بين تلك المجتمعات واليهود من ناحية. وبين اليهود بعضهم بعضاً من ناحية أخري فأراد آل روتشيلد إبعاد هذه المجموعات عن مناطق مصالحهم الاستثمارية. وثانيهما: ظهور نتائج التقرير النهائي لمؤتمرات الدول الاستعمارية الكبري والمعروف بتقرير بازمان الذي قرر في عام 1907 "أي قبل وعد بلفور بعشر سنوات" أن منطقة شمال إفريقيا وشرق المتوسط هي الوريث المحتمل للحضارة الحديثة "حضارة الرجل الابيض" وهي منطقة - بزعمهم - تتسم بالعداء لحضارة الغرب. ومن ثم "وهنا تكمن جذور الصراع ومنشؤه" يجب العمل علي تقسيمها وعدم نقل التكنولوجيا الحديثة إليها. وإثارة العداوة بين طوائفها.. والأهم زرع جسم غريب يفصل شرق المتوسط عن الشمال الإفريقي ومن هنا ولدت فكرة دولة يهودية في فلسطين. ولم تتوقف أحلام الصهيونية عند إنشاء كيان إسرائيل الذي صار واقعاً مريراً تتجرع المنطقة العربية ويلاته منذ أكثر من نصف قرن عدواناً واستنزافاً وتآمراً بل امتدت أطماعها إلي حلم إسرائيل الكبري من النيل للفرات. وسارت بخطي حثيثة لإنجاز هذا المخطط الخبيث الذي حشدت له الطاقات واستنفرت في سبيل تحقيقها أقصي الجهود مستعينة بما تملكه من نفوذ وجماعات ضغط في أمريكا وأوروبا لا تبخل عليها بالدعم المالي والسياسي والإعلامي.. ولإسرائيل خطط استراتيجية لا تخفي ظهرت للعلن عبر منشورات وكتب ومجلات ومؤتمرات كثيرة.. ومن عجب أن يتصدي المفكر الفرنسي القدير روجيه جارودي لتفنيد الأطر المؤسسة لتلك الاستراتيجية التي وصفها بالأساطير في كتبه وأبحاثه العديدة التي نشرت دار الشرق المصرية بعضاً من مؤلفاته.. بينما عزف كثير من مفكري العرب ونخبتهم عن فعل الشيء نفسه وكان حرياً بهم أن يفعلوه لتوعية شعوبنا وتسليحها بالوعي الواجب في صراع يراه غيرنا حتمياً ويراه بعضنا عبثاً ومبالغة وإغراقا في التشاؤم. وتمترسا خلف نظريات المؤامرة الوهمية. ولعل ما أصاب بلاد الرافدين وسوريا من انتكاسات وصراعات ليس بعيداً عما قاله جارودي "نقلا عن مجلة كيوفيم الصادرة في القدس عام 1982" عن تقسيم العراقوسوريا بل ومصر أيضا علي أساس عرقي وديني والخطوة الأولي لتحقيق ذلك الهدف هو تحطيم القدرة العسكرية لتلك الدول فالبناء العرقي لسوريا مثلا يجعلها عرضة للتفكك.. أما العراق ذلك البلد الغني بموارده النفطية والذي تتنازعه الصراعات فهو علي خط المواجهة مع إسرائيل ويعد تفكيكه أمراً مهماً لإسرائيل بل إنه أكثر أهمية من تفكيك سوريا لأن العراق يمثل علي المدي القريب أخطر تهديد لإسرائيل. للصراع جذور تكمن في أدمغة من يحاولون افتعاله تارة للتنبؤ بنهاية التاريخ. وتارة أخري لاستنبات بذور الصراع علي ساحة ملتهبة.