تغيرت قواعد اللعبة في سوريا وفي الشرق الاوسط عموماً بعدما تغير موقف الرئيس الامريكي دونالد ترامب في أعقاب مذبحة خان شيخون واتهامه لبشار الاسد باستخدام السلاح الكيماوي في ضرب شعبه وقتل الاطفال والشيوخ والنساء ثم بالرد السريع علي هذه المذبحة بتوجيه ضربة صاروخية ضد قاعدة "الشعيرات" العسكرية الجوية التابعة لبشار قرب حمص فجر الجمعة الماضية.. استهدفت طائرات وحظائر طائرات محصنة ومناطق لتخزين الوقود ومخازن للذخيرة وأنظمة دفاع جوي ورادارات. وتسببت هذه الضربة الامريكية المباغتة في إحراج شديد لكثير من الدول العربية التي تحتفظ بتحالف استراتيجي وثيق مع إدارة ترامب بعد ان فوجئت برده العسكري دون ان تعلم.. خاصة بعد ان أعلن البنتاجون الامريكي "وزارة الدفاع" انه أبلغ روسيا فقط قبل الهجوم الصاروخي.. ونستطيع ان نستنتج أيضا انه أبلغ اسرائيل.. لكنه لم يبلغ أحداً من الحلفاء العرب الذين وضعوا في موقف حرج.. إذ لم يعد في مقدور أحد منهم أن يمسك العصا من المنتصف.. أو يتخذ موقفاً معارضاً ورافضاً للهجوم الامريكي باعتباره اعتداء علي دولة ذات سيادة.. ويفتح أبواباً جديدة للتدخل العسكري في سوريا يزيدها بؤساً ودماً وتفكيكا. العرب الذين أيدوا الضربة الامريكية ولو من وراء ستار أعطوا شرعية للتدخل الروسي والايراني وحزب الله في سوريا.. بل أعطوا شرعية أيضا للقصف الاسرائيلي.. فالمبدأ واحد.. ومن يوافق علي تدخل أمريكا عسكريا لايمكن أن يعترض علي تدخل روسيا.. وهم في الواقع يكررون خطيئتهم في تأييد غزو العراق في 2003 التي انتهت بسقوط هذا البلد العربي الكبير في قبضة إيران.. ولا شك ان أمريكا سوف تبتز هؤلاء المؤيدين مالياً وسياسياً وتجبرهم علي دفع فاتورة صواريخ توماهوك التي أطلقتها علي القاعدة العسكرية السورية.. وربما تجبرهم علي قبول مالم يقبلوه مسبقاً في شأن قضايا أخري حساسة مثل القضية الفلسطينية مادامت قد ساندتهم وجاملتهم بضرب بشار. الامر المؤكد ان مواقف عربية كثيرة سوف تتغير عندما يبلغهم ترامب ان من ليس معي فهو ضدي.. وهو سيفعل لاشك.. بالنظر إلي طبيعة شخصيته وبالنظر أيضا إلي الاتهامات التي كانت موجهة إليه من قبل بأن الموقف الذي أعلنه بأنه غير مهتم بمصير بشار وأنه لن يشترط رحيله هو الذي شجع سفاح سوريا علي التمادي في اجرامه وارتكاب المجزرة ظنا منه ان أمريكا لن تهتم ولن تتحرك.. ويكفيه ان يلصق التهمة بداعش والارهابيين حتي يسكت العالم وتمر الجريمة.. لولا ان لعبته انكشفت.. وجاءت الرياح بما لايشتهي. الموقف الروسي أيضا اهتز اهتزازاً كبيراً.. خاصة بعد ان أعلن البنتاجون الامريكي انه أبلغ الروس قبل الضربة الصاروخية حتي يخلوا رجالهم من القاعدة العسكرية وكان هناك حذر شديد من استهداف المواقع التي يتمركز فيها العسكريون الروس.. فقد بدا واضحا ان هناك تنسيقاً جيداً.. وترتيباً للأوضاع قبل تقسيم التورتة.. وان دفاع روسيا عن بشار لا يمنع من الاعتراف المتبادل بمواقع النفوذ.. وان هذا الدفاع لن يصل أبداً إلي حد التصدي للصواريخ الامريكية.. لم يعد بوتين يتحدث عن بشار باعتباره سلطة وصاية واحتلال.. ومشاكله الداخلية والخارجية ستجعله في النهاية يقبل بوجود شركاء في الكعكة السورية التي ليست إرثاً خالصاً له. اوروبا أيضا سوف تغير من مواقفها بعد ان تغير موقف ترامب.. سوف تتحدث كثيراً عن ضرورة حماية المدنيين لكنها في النهاية لاتملك إلا أن تقف في الخندق الامريكي.. وستكون داعما قويا لمزيد من العمليات العسكرية الامريكية في سوريا حتي لو كانت هذه العمليات بدون غطاء الاممالمتحدة وبدون قرار من مجلس الأمن. أما اسرائيل فسوف تكون أكثر جرأة في طلب ثمن سكوتها وعدم تدخلها العسكري حتي لاتزيد المشهد ارتباكا.. وستقول انها لم تستخدم السلاح الكيماوي في حربها ضد العرب مثلما فعل بشار.. وسيكون ترامب جاهزا لدفع الثمن علي حساب العرب والفلسطينيين. عفواً.. لم اتحدث عن الجامعة العربية.. لانه لم يعد في الواقع شيء بهذا الاسم.