في ليلة باردة من ليالي الشتاء يحلم بعضنا بجلسة دافئة مع أسرته تدور عليهم أكواب الشاي والسحلب والمشروبات الساخنة وربما يحلمون في زمننا هذا بمشاهدة فيلم راق تجتمع حوله الأسرة ليناقش فكرة جميلة أو ليرسم بسمة علي شفاه متعبة أو حتي لمجرد الاستمتاع بأداء راق لفنان متميز ولكن كل ما ذكرته يبيت حلماً مجهضاً.. فالأسرة الآن تتحدث في حال اجتماعاتهم عن غلاء الأسعار والتوتر في الشارع المصري أو عن فساد الضمائر والأخلاق وانهيار التعليم والسياحة.. وأزمتنا مع الإرهاب داخل وخارج مصر.. وربما يساعد علي هذا فساد الإعلام وتدني مستواه في اختيار موضوعاته وعدم شفافيته والمؤامرة الكبري علي الوجدان المصري ببث ما يخرب ما تبقي.. ومع كل هذا فمازال الكائن المصري المسمي إنسان يشع بعض التفاؤل.. مما دفعني وأسرتي ذات ليلة بادرة ونحن نتدثر يجمعنا بالبحث عن فيلم عربي قديم مما يحمل أي شئ مما ذكرته لعل المتعة تسري في عروقنا فتدفئنا.. حتي عثرنا علي فيلم شاهدناه عشرات المرات دون ملل بل بمتعة.. فيلم يحمل كل ما ذكرته من الفكر والرقي والأداء الفني.. فيلم استطاع مؤلفه أن يجمع فيه أكبر نجوم الفن في العالم العربي.. وعلي رأسهم الفنان الكبير والمبدع والطيب محيي إسماعيل واعتبره علي رأس القائمة التي ضمت يحيي شاهين ونور الشريف وحسين فهمي ونادية لطفي وميرفت وآخرين يا الله علي روعة انتاج واختيار بداية من رائعة ديستوفسكي إخوة اعداء نهاية بهذا الأداء المتميز لملك السيكودراما في العالم العربي بدون منازع.. فقد بلغ محيي إسماعيل في دراسة الشخصية ورسمها لنا بكل مهارته وإبداعه وكأنه حقاً "هذا المشروع ابن عزيزة الهبلة". دفعني هذا لمراجعة كل أدواره. التي رسمها بشكل مبهر توجته علي عرش تلك الأدوار المركبة ربما ساعده كونه أديباً روائياً وربما ثقافته الموسوعية وربما رغبته في دراسة وتأمل كل ما يدور حوله.. وربما كل هذا معاً. والسؤال أين محي إسماعيل من أدوار تدخل بنا للمنافسة الفنية لتلك النوعية من الروايات.. بل كيف لا نوظف تلك العبقرية الفنية فيما ينقذ السينما والدراما المصرية من هذا الإسفاف الذي جعلنا نتراجع لآخر الصفوف في الترتيب العربي والعالمي. ملك السكيودراما الذي أعدت عنه دراسات عالمية في دول تحترم أداء الممثل وقدراته وترقي مجتمعاتهم برقيهم الفني والثقافي.. جعلني أشعر بالحزن علي نجومنا الذين تهدر قدراتهم من تجار اللحم والمأكولات أو المعروض.. فأصبح الفن سبورت فبعد أن كان الإنتاج للفنانين وكبار المثقفين أصبح لغسيل الأموال والخروج من تجارات لم تعد ذات ربح لتجارة بوجدان أمة تغيب خلف اللحم العاري والدراما التي تروج فقط للفساد والبذاءة والإنحدار الأخلاقي.. فسلام عليك صديقي المبدع محيي إسماعيل ورحم الله النجوم وزمنهم الراقي.. ورحمنا.