كتبت في هذه الزاوية بالأمس عن الإعفاءات الضريبية الكاملة التي يقدمها مشروع قانون الاستثمار الجديد.. والانتقادات اللاذعة التي وجهها خبراء الاقتصاد وأعضاء مجلس النواب في ندوة الأقصر لهذه الإعفاءات التي لا مبرر لها.. فالإعفاءات الضريبية لم تعد من المحفزات التي يسعي إليها المستثمر.. لأنه إذا لم يدفع ضرائب عندنا سيدفعها في بلده. ونقلت عن هؤلاء المشاركين في الندوة اتهامهم الصريح للحكومة بأنها تحرم خزينة الدولة من موارد هائلة بهذه الإعفاءات.. في الوقت الذي تفرض ضرائب علي الموظف والمواطن محدود الدخل تمثلت في ضريبة القيمة المضافة وترفع سعر الكهرباء ومنتجات البترول إضافة إلي تحرير سعر الصرف وقرارات الإصلاح الاقتصادي.. كيف يدفع هذا الموظف ضرائب لا يدفعها المستثمر؟ وأملنا كبير أن يصحح مجلس النواب هذا الوضع عندما يعرض القانون عليه لاقراره الشهر القادم.. ويلغي هذه الإعفاءات الضريبية أو يهذبها.. تحقيقاً لمبدأ العدالة.. ولا يوافق علي القانون أتوماتيكياً كما عودنا خلال الفترة الماضية.. حيث ترتفع الأصوات تهاجم القانون وتبرز معايبه لكن في النهاية يستسلم البرلمان لرؤية الحكومة ويوافق علي قانونها بالشكل الذي تريده. واليوم نناقش صفحة أخري من صفحات الإعفاءات الضريبية للكبار.. تلك الصفحة التي تتعلق بالإعفاء الذي قرره مجلس النواب لأعضائه في لائحته الداخلية.. فالعضو - طبقاً للمادة 428 من لائحة مجلس النواب - لا يدفع ضريبة عن المبالغ التي يتلقاها من المجلس في صورة مكافآت وبدلات وحوافز مهما بلغت قيمتها. ومنذ اللحظة التي تم فيها اقرار هذه المادة المثيرة واجهت انتقادات واسعة من أساتذة القانون ورجال القضاء الذين رأوا فيها مخالفة صريحة للدستور والقانون من حيث التمييز وعدم المساواة مع باقي فئات الشعب وإساءة استخدام سلطة التشريع.. ومؤخراً ظهرت رغبة لدي بعض أعضاء مجلس النواب لتعديل هذه المادة المعيبة.. لكن يبدو أن هذه الرغبة اختفت ولم يعد لها وجود. الغريب ان بعض النواب الذين يدافعون عن إعفائهم من الضرائب يحتجون علي ذلك بمبدأ الفصل بين السلطات.. فهم ان دفعوا الضرائب خضعوا لرقابة السلطة التنفيذية.. وهذا منطق غريب لتبرير ما لا يقبل التبرير وخلط للأوراق.. فالخضوع للضريبة المقررة علي كل المواطنين لا تعني أبداً تدخل السلطة التنفيذية في أمور السلطة التشريعية.. لأن المقصود بمبدأ الفصل بين السلطات هو عدم اعتداء أي سلطة علي اختصاصات وعمل سلطة أخري فقط.. وإذا كان الأمر علي ما يقول هؤلاء فإن من حق القضاة والسلطة القضائية ان تعفي هي الأخري من دفع الضرائب. إن ما يسري علي الشعب يسري علي وكيله وهو النائب البرلماني.. ولا يحق لأي فئة أخري صياغة لائحة داخلية وإعفاء نفسها من الضرائب منعاً لخضوعها للسلطة التنفيذية وفق هذا الزعم الغريب. وقد نشرت "أخبار اليوم"السبت الماضي علي لسان د. شوقي السيد أستاذ القانون الدستوري والبرلماني السابق أنه لا مبرر لوجود هذه المادة من البداية لأنها تحمل مجاملة وشبهة انحياز لأنها وردت في اللائحة الخاصة بالبرلمان وصاغها الأعضاء بأنفسهم لأنفسهم.. فأصبحت كمن يحكم بنفسه لنفسه.. وفي حالة عدم إلغاء هذه المادة من جانب النواب طواعية فإنه يجوز الطعن عليها أمام القضاء الإداري بمجلس الدولة.. ثم تحرك هيئة المفوضين القضية إلي المحكمة الدستورية العليا للفصل في عدم دستوريتها بصرف النظر عن كونها لائحة داخلية.. لأنها صدرت بقانون.. ولأنها تمس مصلحة عامة وتصطدم بالقانون.