سوف يظل الصدق طريق أهل الإيمان علي مر العصور وتعاقب الأيام وهذا الصنف من البشر استطاعوا التغلب علي هوي النفس وغرور الحياة بمختلف ألوان امتعتها. وامتلك الصدق وجدانهم. وقد اشاد الحق تبارك وتعالي بالذين صدقوا الله ورسوله وضحوا بكل ما لديهم ابتغاء مرضاة الله واملا في رضوانه وقد تحققت هذه الصفات في المهاجرين والانصار الذين صار الصدق يسيطر علي كل تصرفاتهم وسلوكياتهم ويتضح ذلك بجلاء في قول الله تعالي: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون "8 الحشر" فهؤلاء نظير هذا الصدق جعلهم الله من بين المستحقين لأموال الغنائم التي تتحقق خلال معارك أهل الإسلام مع المشركين والكفار فهؤلاء هم سادات المهاجرين وبذلك استحقوا هذا النصيب من الغئ لعله يضيف لهم قليلا مما فقدوه. ولذلك كان هذا التقدير من الله لهؤلاء الرجال الذين ضربوا أروع الأمثلة وصاروا نماذج وقدوة لكل الأجيال في مختلف الأرض والعصور ويكفيهم شرفا أن الحق تبارك وتعالي منحهم هذه الصفة لانه وحده يعلم ما في القلوب والسر والجهر الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. في ذات الوقت هناك علي الجانب الآخر أخوة لهؤلاء الرجال كانوا علي نفس المستوي من الصدق والبذل والعطاء والتضحية بما في أيديهم رغم أنهم في أشد الحاجة إليه. يدفعون لاخوانهم بسخاء نفس ويسعدهم هذا التصرف "والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأؤلئك هم المفلحون". التلاحم بين المهاجرين والأنصار جاء بفضل جهود سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم وعمله الدائم للتأليف بين قلوبهم. لم تغمض عيناه عن رعاية ومتابعة هؤلاء الذين التفوا حول الرسول الذي غرس الحب والإيمان في قلوبهم ومن ثمار ذلك كانت الوحدة والمودة هي التي جعلت المهاجرين والانصار ينصهرون في بوتقة واحدة فها هو واحد من المهاجرين يشهد لاخوانه من الانصار فقد روي الامام احمد عن أنس بن مالك قال: قال المهاجرون: يارسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم. احسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا من كثير فقد كفونا المؤونة واشركونا في المهنأ. حتي لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: "لا ما اثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم" ودعا لهم النبي صلي الله عليه وسلم أن يقطع لهم البحرين قالوا: لا إلا أن تقطع لاخواننا من المهاجرين مثلها. قال: "أما لا. فأصبروا حتي تلقوني فانه سيصيبكم أثره. وفي البخاري عن أبي هريرة قال: قالت الانصار اقسم بيننا وبين اخواننا النخيل. قال: لا "فقالوا: اتكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا. تلك هي ثمار الصدق قولا وعملا.. تحرروا من كل نوازع النفس البشرية وصاروا في رحاب الصدق قدوة قل أن يجود الزمان بمثلهم. فها هو رسول الله صلي الله عليه وسلم قد قال في مواجهة الانصار: ان إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم .. فقالوا: أموالنا بيننا قطائع. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟" قالوا: وما ذاك يارسول الله؟ قال: هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر" فقالوا: نعم يارسول الله" انه الايثار بكل ما تعنيه الكلمة. انهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وكانت نفوسهم لا تهدأ إلا عندما يجدون اخوانهم المهاجرين سعداء في حياتهم. واين ابناء العالم العربي والاسلامي من هذه النماذج مع شديد الاسف لقد سيطر عليهم متاع الحياة الدنيا وصاروا يتكالبون علي القليل من السلع والامتعة!! أهل الايمان السابقون تجردوا عن سائر أموالهم حبا في الله ورسوله فها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد تصدق بجميع ماله. فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقال رضي الله عنه: أبقيت لهم الله ورسوله" صدقا وشفافية قد تمكنت في وجدان الصديق "وما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي" وقد تعهد الله بأنه سوف يرضي هذا الرجل بعطائه وتقديره. تلك هي ثمار الصدق وتمكنه في قلب الصديق. ولعل من أروع الأمثلة في هذا الصدق والتضحية ما جري لاصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم معركة اليرموك فقد حدث حين اصيبوا في المعركة وكانوا في أشد الحاجة للماء وعندما عرضت الماء علي عكرمه وأصحابه من المصابين فكان كل واحد يأمر بدفع الماء إلي صاحبه بينما هو جريح مثقل أحوج ما يكون إلي الماء لكن هذا الجريح رده إلي الثالث ومن المفارقات انه حينما وصل الماء إلي الثالث كان الجميع قد ماتوا عن آخرهم ولم يشربه احد منهم رضي الله عنهم وأرضاهم. ومما تجدر الاشارة اليه أن رجلا أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم. فقال: يارسول الله اصابني الجهد. فأرسل إلي نسائه فلم يجد عندهن شيئا. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: الا رجل يضيف هذا الليلة رحمه الله؟ فقام رجل من الانصار. فقال: انا يارسول الله. فذهب بالرجل إلي أهله. فقال لامرأته هذا ضيف رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تدخري شيئا. فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية. فقال لها: إذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئ السراج ونطوي بطوننا الليلة. ففعلت. ثم توجه الرجل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما رآه صلي الله عليه وسلم قال: لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانه وفي احدي الروايات ان هذا الرجل هو أبو طلحة الانصاري. رجال قهروا هوي النفس فما بالنا في هذه الأيام نتكالب علي قليل من السلع ولله الأمر من قبل ومن بعد!!