يبدو أن العبارة أعجبته.. وكان مردودها إيجابيا من جانب من يتابعونه.. فأخذ يرددها ويكررها في حواراته وتصريحاته الصحفية الأخيرة.. متصورا أنه قد جاء بالخبر اليقين.. وحسم الموقف.. وأقنع المعترضين والغاضبين.. وقطع قول كل خطيب. يقول اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب إن ارتفاع الأسعار الذي تعيشه مصر الآن هو "ثمن رخيص" للأمن والاستقرار الذي تنعم به البلاد.. وبعدها عن التفتت والانقسام والحروب الأهلية. وقد افترضت عبارة السيد اللواء أن هناك ارتباطا شرطيا بين الأمن والاستقرار في جانب وارتفاع الأسعار في جانب آخر.. بمعني أنه لكي يسود الأمن ونستمتع به فلابد من أن ترتفع الأسعار.. كنوع من الفرض الوجوبي.. ومن ثم فإن ارتفاع الأسعار هو الثمن الذي يجب أن ندفعه لكي نستمتع بالأمن والاستقرار.. وهذا ارتباط غريب لم نسمع به من قبل.. ولكن يبدو أن السيد اللواء أطلقه وصدقه واستحسنه فأخذ يردده أكثر من مرة. الأمن القومي والوطني له دوائره الخاصة وله موارده المعروفة.. ونحن جميعا مستعدون لأن نفدي أمتنا بأرواحنا وأولادنا وأموالنا دون أي مزايدات أو شعارات.. أما ارتفاع الأسعار فله دوائره المرتبطة بالنظم الاقتصادية وحركة الإنتاج والتشغيل وتعظيم الموارد وقدرة الحكومة علي الإدارة الرشيدة والتصدي لجشع التجار.. ووضع سياسات تضمن قدرة فئات الشعب المختلفة علي العيش بكرامة.. وإحداث التوازن المطلوب في أنظمة الضرائب والرسوم.. وضبط معدلات الإنفاق الحكومي ومحاربة الفساد وإهدار المال العام.. وهذه أمور تختلف فيها الرؤي وتتعدد الاجتهادات بلا حساسيات من أجل ضمان عدم ارتفاع الأسعار. ما علاقة الأمن والاستقرار - مثلا - بفساد صفقات توريد وتخزين القمح وفساد وزارة الزراعة وهروب المستثمرين الجادين وضرب السياحة والفشل في إدارة أزمة "روجيني" بوضوح كامل لا تضارب فيه والأخطاء التي ارتكبت في التعامل مع أزمة تيران وصنافير منذ البداية وتوقف المعونات الخليجية وعدم اكتراث الحكومة بالعمل علي إعادة فتح وتشغيل أكثر من 7 آلاف مصنع مغلق؟! هذه كلها - كما تري - أمور تتعلق بالتوجهات والأولويات والسياسات.. ولا علاقة لها بالثمن الذي يجب أن ندفعه لكي ننعم بالأمن والاستقرار؟! ثم.. وعلي افتراض أن ذلك صحيح.. فمن الذي عليه أن يدفع الثمن؟!.. من الذي يتحمل عبء الضرائب والرسوم الجديدة ونتائج رفع الدعم الجزئي علي الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والتعليم؟! لقد أثبتت التجارب السابقة أن معظم الفئات تتجه فور ارتفاع الأسعار إلي تأمين دخلها بالزيادة حتي لا تتعرض للخسارة: التاجر.. المستورد.. المنتج.. التاكسي.. الميكروباص.. الصنايعي.. وما إلي ذلك.. بينما يقف صاحب الدخل الثابت عاجزا عن تعويض خسائره.. وبالذات الموظف والعامل وصاحب المعاش.. هؤلاء في الواقع هم الذين يدفعون الثمن وحدهم.. وهم الذين يتأثرون بالضرائب ورفع الدعم.. ويزداد وضعهم سوءا يوما بعد يوم مع كل ارتفاع جديد في الأسعار. فهل من العدل أن يظل هذا الوضع مستمرا.. أم يكون علي الحكومة أن تضع السياسات ويكون علي مجلس الشعب أن يسن القوانين التي تضمن تخفيف الأعباء عن هؤلاء المظلومين الذين تحملوا كثيرا؟! في زمن مبارك كان كل ارتفاع في الأسعار تقابله علاوة اجتماعية معقولة.. لكن الآن لا أحد يحنو علي الموظف والعامل وصاحب المعاش.. فهل هذا عدل؟!