في ديوانه "دقائق قبل القطر مايركن" يقدم لنا الشاعر أيمن هيبة تجربة ثرية صافية في شعر العامية المصرية. لما يمتلكه من لغة ورؤية وخبرة حياتية وقدرة عالية علي الغوص داخل الشخصية المصرية. فهو ابن الحارة والحي الشعبي المعجون طيبة وبراءة. الممزوج بعبق التاريخ ورائحته الأصيلة. يهتم أيمن بالجوهر والمضمون والمحتوي لا بالشكل أو بطول وقصر القصيدة. فمتي أيقن أن رسالته قد وصلت اختزل الكثير والكثير من الأبيات حتي لا تترهل منه القصيدة وتفقد الوهج المنبعث منها. في قصيدة "بيسرب أغاني وذكريات" يقول الشاعر: فجأة انتشر ف الجو ريحة شجن.. الدنيا حر مطلعانا م الهدوم.. قاعد باشر ف عرق.. مش جاي لي نوم.. ومخي بيسرب أغاني وذكريات. لغة ومفردات حية من الواقع اليومي. ينسجها الشاعر بسهولة وتمكن وبراعة. ويقول في مقطع آخر: فارمي القلم والشخبطة والكراسات.. واجري.. لابويا نايم ع السرير عيان.. سبعين سنة.. وقالولي مرض الموت.. أجري أسيب شغلي واطير ع البيت. الذكريات والأحداث الشجية ينقلها لنا بعين وكاميرا تجيد وصف المشهد ببراءة ظاهرة. وتحمل دفقات محبة تجعل القلب في غاية الشوق. وهي تصور مشهد مرض الأب لحظات عشناها جميعاً بصورة أو بأخري أجاد شاعرنا التعبير عنها. وفي قصيدة "ألوان" يقول الشاعر: الواد الشقي جداً.. النايم فوق شنطة أحلامك.. مش عاوز يتزحزح.. واما تحب تحركها بعيد عنه وتفتحها.. ما بيسمعش كلامك.. ما يبطلش معانده.. ويعمل مقموص.. فتصالحه.. ف ينام تاني.. البراءة والشقاوة والطفولة تعيدك إلي أجمل وأحلي سنين العمر ولا تصدر إلا من قلب يشع محبة وبهجة وضياء. وفي قصيدة "غربة" يقول الشاعر: فجأة خبط كفه علي ضهري.. راسي علي كتفه./. وف حضنه كتفني.. كأنه أبويا بنفس ريحة العطر.. وسبحته السوده بحباياتها اليسر.. رفع بصوته الأدان وكاننا ف جامع.. كان صوت جميل رائع. عبر الشاعر بصدق وعفوية ومفردات في غاية الحميمية مثل الحضن والعطر والسبحة والأذان تحيلك مباشرة إلي عالم الصفاء والنقاء حين تتماهي المحبة مع حضور صورة الأب لتعمق وتثري المشهد. عكس أغلب الدواوين الشعرية آخر أيمن قصيدة الديوان التي تحمل اسمه إلي النهاية. ربما لأن بها خلاصة التجربة الشعرية والحياتية. وربما لأن بها أبعاداً فلسفية وعمق ودراية تامة بالحياة والموت وجوهر الأشياء. وفي مقطع آخر يقول: هو أنا لسه هاعوز التقدير.. وللا هافكر ف علاوه!.. ياقدير.. يامنجي وستار.. لسالي دقايق قبل القطر ما يركن.. ويواجه آخر حيطه.. خليني الواد أبو روح مليانه شقاوة.. ووف ايدي الفرشة وجردل بويه.. ونصايح أبويا.. ومستنيك ياجدار. الكلمات رغم بساطتها موجعة. ينحت الألم حروفها بمداد من القلب. ويرسم رؤي للميلاد والحياة والموت عبر محطات قطار الحياة. طوف بنا أيمن هيبة وامتع قلوبنا وعقولنا من خلال قصائد ديوانه. وقدم لنا تجربة ثرية تؤكد أن له مكاناً متميزاً في مملكة شعر العامية المصرية. ونحن في انتظار تجاربه الجديدة القادمة.