لأكثر من ساعة راح يتأسف علي أيام الزمن الطيب الجميل التي كان فيها إعلاء حقيقي للقيم والأخلاق وتمسك بالأصول.. ومضي يحدثني الشيخ "هادي محمد غلاب" - وشهرته بين اهالي قليوب البلد الشيخ - "علي" - عما اصبح يؤرقه في السنوات الأخيرة ويسعي بكل ما أوتي للتصدي له.. قال: أنا رجل في الثالثة والسبعين من عمري متزوج واب لأربعة أبناء وعلي مدي 57 عاماً لم اتوقف عن أداء رسالتي كخطيب وإمام مسجد نظير مكافأة من الاوقاف ولا أتصور ان شاهدت في حياتي هذا الرقم المخيف لحالات الطلاق كما رصدته في العقد الأخير خاصة بين الأزواج الشباب ولأتفه الأسباب لذا نذرت علمي وصحتي ووقتي من أجل الصلح بين الأزواج المتخاصمين وبفضل الله استطعت إعادة المياه لمجاريها بين أكثر من 90% من الحالات التي جاءتني تطالب الطلاق ثم تراجعت عن ذلك.. يمضي الشيخ علي قائلاً: ومع انزعاجي الشديد من تزايد نسب الطلاق في مجتمعنا بما يعادل - بحسب آخر الاحصائيات - حالة طلاق كل ثلاث دقائق "!!!" بحثت عما يمكنني تقديمه من نصائح سواء للمقبلين علي الزواج أو الساعين لإنهاء حياتهم الزوجية بجرة قلم فلم أجد أفضل من تجربتي أنا التي شارفت علي نصف قرن!! بدايتها كانت في منتصف الستينيات التي كان الاختيار فيها للعائلات وليس منفرداً بين الشاب والفتاة مثلما هو حادث هذه الأيام. حين اختارت لي عائلتي إبنة تاجر الجلود نزلت علي رغبتهم فالعائلة مشهود لها بالاستقامة وطيب الأخلاق والكرم ورغم انني من أسرة مكافحة لم يترددوا في القبول بي وبالموافقة علي ان تسكن ابنتهم بين أفراد أسرتي ال14 وفي حجرة من بين 11 حجرة يشتمل عليها بيت العائلة!!. وبعد مرور سنة من زواجنا استقبلنا أول مولود لنا ما استدعي بحثنا عن مسكن مستقل لم يكن أفضل حالاً لكن كان علينا ان نصبر وندخر وهذا ما استطاعت زوجتي النجاح فيه باقتدار حتي تمكننا من شراء نصف بيت باسمي واسمها دون ان يبخس احدنا حق الآخر للتوسعة علي أولادنا الذين اضاءوا حياتنا فكان لهم من التنشئة الدينية السليمة مما جعل التوفيق والتميز حليفا لهم فصار لدينا - بفضل الله ورعايته - الدكتور الباحث في علوم البحار والخبيرة التربوية والصيدلانية وطبيبة النساء!! يواصل الشيخ علي: وحين قررت مواصلة دراستي الجامعية الي جانب وظيفتي بأحد المصانع كانت "أم أولادي" معي تشد من أزري حتي تخرجت في كلية أصول الدين وتحسنت ظروفي المادية أكثر بعد تسوية حالتي الوظيفية علي ضوء المؤهل الجديد ما ساعدني هذه المرة علي شراء بيت كامل لأسرتي وأيضاً باسمي وباسم زوجتي وشرعنا معاً في تأسيسه طوبة طوبة فأصبح بدل الطابق طابقين وثلاثة.. كل هذا الاستقرار ما كان ليتحقق دون ان يكون في حياتي زوجة حكيمة مخلصة.. عاشقة لبيتها وأولادها.. فلم اتذكر انها حاولت يوماً اقحام أهلها في مشكلاتنا أو انها غضبت في يوم وتركت البيت بل الأعجب من هذا انها شاركت معي بصفتي الأخ الأكبر لأخوتي ال11 في تجهيز بعضهم وكل ذلك لم يكن غريباً منها وهي التي غرس فيها والدها ان الفتاة حين تخرج من بين أبيها الي بيت زوجها لا تعود إليه ثانية وهذا للأسف ما يفتقده كثير من آباء اليوم في اساليب تربيتهم للأبناء وتقويمهم. هذا جانب من مشوار حياتي وطريقة إختياري لشريكة عمري التي تفهمت رسالتها الحقيقية كزوجة وان من البداية دون اي مزايدات أو مشاحنات فكان يبارك الله لها في زيجتها وفي عمرها.. فهل تقتدي بها زوجات اليوم ولا يتعجلن في هدم بيوتهن وتشتيت أولادهن بطلب الطلاق؟! المحررة : سخرت علمك ووقتك ياشيخ علي حتي نجحت في اقناع 90% من الحالات التي جاءتك بالعدول عن فكرة الطلاق والحفاظ علي بيوتهم وما صار بينهم من أبناء.. حلقت بنا في سماء الزمن الجميل التي كانت للعائلات الكلمة المسموعة في آذان أبنائها وأري ان "تاجر الجلود" نجح في براعة في تقديم الصورة الرائعة لأب الذي يتحري الخير الحقيقي لبناته فلم يشغله اين ستعيش إبنته بعد الزواج بقدر ما شغله ان يكون ممن أوصانا الحبيب المصطفي بالبحث عنهم عند الاختيار لبناتنا: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه".. وحينما تتلاقي النوايا الحسنة فلا عيب يا"شيخ علي" ان تظفر بإبنة التاجر النبيل التي استطاعت بخصالها الطيبة ان تجعل من حياتك واحة جميلة لا مكان فيها سوي التفاني في العطاء والسعي لخير الجميع. فمن يأخذ من تجربة الشيخ علي حتي يكون من الرابحين؟!