مازال الوقت مبكرا لتناول نقدي موضوعي للأعمال الدرامية المعروفة في رمضان.. بعض المؤشرات تجعلنا ننحاز لمشاهدة أعمال دون غيرها أهمها الموضوع. ثم اسم صانع العمل "المخرج" وطاقم الممثلين من الأعمال الجديرة بالمتابعة مسلسل "مشرفة.. رجل من هذا الزمان الذي قام بتأليفه محمد السيد عيد. السيناريست الحريص علي الإختيار والإجادة والساعي مثل المخرجة انعام محمد علي الكمال حتي لو كان مستحيلا. وذلك من خلال خدمة عناصر الموضوع الذي يعمل عليه علميا ودراميا المخرجة انعام من المبدعات القليلات. ربما النادرات في هذا الزمان حتي صار اسمها "ماركة" أصيلة في مجال الدراما التليفزيونية. موضوع المسلسل أثير ومهم ومحترم ومطلوب فعلا وأعني سيرة حياة الدكتور علي مصطفي مشرفة احد الرواد الاوائل من العلماء المصريين وأول من حصل علي شهادة الدكتوراة في العلوم من انجلترا وهو دون الثلاثين أيضا ولعه بالموسيقي واهتمامه الاكيد بالسياسة وبمستقبل وطنه إنه شخصيه عظيمة عاشت وكادت الاجيال الصغيرة أن تنساها وتجسيده علي الشاشة لا شك يمثل تحديا بالنسبة للمخرجة. وكذلك تجسيد جانبا من عصره والاجواء الثقافية والسياسية والفنية التي كانت سائدة فيه. الموضوع هذا الذي إختارته المخرجة يؤكد استمرار ايمانها الواعي بأهمية الدراما في تقديم نماذج وطنية لعبت ادواراً مهمة في مسيرة التقدم وتذكر الاجيال الجديدة بها؟ إن التحدي الأكبر الذي يواجه صناع هذا العمل هو تطويع المادة الموضوعية لسيرة حياة عالم في دراما مرئية جذابة قادرة علي شد المشاهدين وتحقيق الهدف التنويري- من تقديمه الكومييدي بمذاق مغاير. المسلسل الكوميدي الكبير الجزء الثاني يطرح بدوره تحديا علي مستوي الاداء التمثيلي نجح في اجتيازه الممثل أحمد مكي أساسا بقدرته علي أن يقدم مذاقا مغايرا لطعم الضحك اعتمادا علي موهبته وثقافته غير النمطية في مجال الكوميديا. وايضا قدرته علي التناغم مع فريق الممثلين وبالذات الفنانة الظريفة الموهوبة والتي لا تقل عنه مهارة غير تقليدية ايضا "دنيا سمير غانم" الاثنان مكي ودنيا في هذا العمل الكبير يشكلان ثنائيا مرحا وخفيفا. قريبا من القلب ومن دون إسفاف.. خصوصا وأن اللغة المسفة علامة رديئة في صناعة الدراما وعلي الرغم من اختلاف المخرج في هذا الجزء "احمد الجندي" لم نشعر باهتزاز في مستوي العمل الفني أو في ثرائه البعدي. كذلك لن يحدث تفاوتا في مستوي ادارة الممثلين وبالذات من الصف الثاني من وجهة نظر شخصية أجد أن المسلسل "شهر زاد" للمخرج المبدع شوقي الماجري من الأعمال التي تستحق المتابعة. لانه يعد بوجبة مختلفة وحكايات من منظور آخر. يجمع بين الجو الاسطوري والتراث الثقافي الشرقي. والحس التاريخي العربي. وبين السمات المنظرية الاستعراضية فضلا عن جماليات عنصر الحركة. هناك قيم موضوعية واخلاقية ومفهوم سياسي ما يكمن في ثنايا الحبكة يرتبط بأصول الحكم واجواء السلاطين الذين لم ينقرضوا بعد. علي الاقل بنهمهم علي متع الدنيا العتيقة دون الارتقاء بالجانب الشهواني الغريزي. والشهوة التلقائية للامتلاك والتسلط من اللافت في الاعمال الرمضانية هذة السنة اهتمام بالأمكنة.. أو بعض الامكنة التاريخية مثل شبرا وشارع عبدالعزيز.. وياريت يطول هذا الاهتمام أمكنه أخري. وحين يكون المكان وأهله.. موضوع الدراما فعلي المؤلف أن يبذل جهدا بحثيا كبيرا يضفي علي العمل سمة تضمن بقاءه كوثيقة مرئية للأجيال.. ولست متأكدة من وجود صور قديمة لهذه الاحياء يمكن الاستعانة بها حتي تحقق عنصر المصداقية. والصور الحديثة تستعين بنقل الواقع ولا تلجأ إلي الديكور الا في المشاهد التفصيلية فالاماكن لها روح وحياة وشخصية من الصعب بعثها الا بامكانيات مهولة ليست متوفرة.. لن يكون للمكان معني ولا دلالة تاريخية وانسانية الا باجتهاد واصرار صناعة علي عنصر المصداقية علي مستوي الشكل والمضمون وأيضا من خلال عنصر التشخيص.