مع انقضاء عام. وإطلالة عام جديد. يعرض المبدعون والنقاد أعمالاً مهمة. وجدوا فيها متعة حقيقية. وإثارة للذهن والوجدان. فضلاً عن إضافتها إلي المكتبة العربية. يختار يوسف الشاروني رواية "لقاء في واحة الحنين" للدكتور أحمد جمال الدين موسي. يجد فيها تناولاً ذكياً لتأثير الزمن في علاقة رفاق الأمس.. الكاتب يقدم روايته من خلال ثماني شخصيات: سيدتين وستة رواة. ثم يأتي في النهاية صوت ثامن. يمثلون مختلف التيارات الفكرية والسياسية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار. وأحياناً يمثلون ألوان الطيف للطبيعة التي تطفو علي سطح المجتمع المصري ما بين أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. وقد أتاح الشكل الروائي الفرصة لعرض مجمل التيارات الفكرية المتصارعة في تلك الحقبة الحرجة من تاريخنا المصري. حيث يتساءل القارئ بعد أن يقرأ: ماذا بعد؟ الرواية تعرض وتحلل علي ألسنة شخصياتها. لكنها لا تنحاز ولا تندد ولا تبشر. تاركة ذلك لقارئها. وإن كان يدرك مدي خطورة اللحظة المعاصرة. ومن أهم الكتب التي صدرت هذا العام في تقدير د. عبدالمنعم تليمة "من الفناء إلي البقاء محاولة لإعادة التصوف" آخر ما ألفه أستاذ الفلسفة الإسلامية المرموق د. حسن حنفي الذي يحمل لواء العقلانية. متصلاً اتصالاً عميقاً وحميماً للتراث المتوسل بالاجتهاد. يواصل الأستاذ بذلك عمله العلمي الدائب الفاعل في حركة التنوير الحديثة. الدراسة تأسيسية جادة. وهي من الفتوحات العلمية التي تضيف نتائج جديدة في حفل الدراسات الفلسفية الإسلامية. ومن المعلوم أن التصوف قطعة عريضة مهمة من تراثنا الفكري والروحي. ود. حنفي نهض في هذا العمل الكبير بأمرين هامين. أولهما نظرة شاملة إلي التصوف منذ نشأته إلي يوم الدين. وثانيهما نهج تاريخي تصوري سديد. يكشف عن مسيرة التصوف من الاجتهادات البكرة إلي العلم المنضبط. وهو في الأمرين جميعاً يقيم الدرس علي قاعدة من التطور الاجتماعي التاريخي. عبقرية المأساة اليونانية أما د. أسامة أبو طالب فقد انشغل بمراجعة ترجمته لكتاب الفيلسوف الألماني الكبير نيتشة. الكتب هو "مولد التراجيديا من روح الموسيقي".. هذا الكتاب الذي اعتبر تفسيراً لعبقرية المأساة اليونانية. مقارنة بالإبداع الموسيقي. رغم ما يبدو بينهما من مساحة واسعة أو تباين. وهو تفسير أوضح. وكشف آراء باللغة الجادة والجريئة. للفيلسوف نظرته إلي الديانتين الإغريقية القديمة والمسيحية. كما أسفر بشكل مثير للاستشكال عملية الخلق الفني. وكتابة المأساة عند اليونان. من خلال بحث عميق في ما سماه بالروح الأبولونية والروح الديونسية. وقد اعتبر هذا الكتاب من الكتابات الصعبة. بل وصفت أفكار وآراء نيتشة لكونها غامضة فيما هي في الحقيقة داعية إلي إعمال التأويل والتقليب علي مستويات متعددة من الفهم والتلقي. وقد استغرقت ترجمة هذا الكتاب سنوات طويلة. في أول ترجمة مباشرة من الألمانية إلي العربية. ويتوقف د. سعد أبو الرضا عند كتاب "المرأة واللغة" لعبدالله الغذامي الذي ناقش قضية اللغة عند المرأة في الرواية الحديثة. فالكاتب يلح في أن تكون للمرأة لغتها الخاصة في السرد. وقدم أمثلة لهذه اللغة في إبداع بعض الكاتبات مثل أحلام مستغانمي. والكتاب عموماً حض للمرأة المبدعة كي تثبت ذاتها وخصوصيتها في اللغة. عاشفة إفريقيا وتتناول الكاتبة المبدعة زينب صادق فتتحدث عن ثلاثة كتب للباحثة عاشفة إفريقيا عايدة العزب موسي: عن العبودة في إفريقيا. تجارة العبيد في إفريقيا. قرن الرعب الإفريقي. والكتب الثلاثة تتضمن دراسات كاملة عن تجارة العبيد في إفريقيا. كل كتاب يتصل بالكتابين الآخرين. ويضيف إليهما. ولعلي أضيف كتاب "مختارات من الشعر العالمي في الحب والحرية والمقاومة". ترجمة وتقديم الشاعر الكبير الراحل حسن فتح الباب. ويري د. حسين حمودة في كتاب "مذكرات زوجة ديستويفسكي" ترجمة د. أنور ابراهيم أول ترجمة كاملة وأمينة وموثقة. تكشف عن جوانب مهمة عن هذا الكاتب الاستثنائي. ولم يكن ممكناً الوصول إلي تلك الجوانب دون هذه المذكرات. أحيي المترجم. كما أحيي المركز القومي للترجمة علي هذا العمل المتميز. ويشير الناقد شوقي عبدالحميد إلي ثلاث روايات قدمت مثلاً طيباً للإبداع السردي. ثمة "رقة القتل" وهي رواية مدهشة لأحمد طوسون. حاولت البحث عن جذور ثورة 25 يناير. من خلال أسلوب مكثف وشاعري. ويخلو من المباشرة. بالإضافة إلي أنها من الروايات القليلة التي تناولت أحداث 25 يناير. مع دمج الخاص بالعام بطريقة إبداعية جميلة جداً. أما رواية "سماء خطرة" لأحمد قرني. فقد تناولت هي الأخري أحداث 25 يناير بطريقة إبداعية جميلة. وهي مصل سابقتها لم يسلط عليها الإعلام أضواءه. ولا عني بها النقد. وهناك رواية سهير المصادفة "أبيض ساخن" وهي من الروايات التي تناولت ثورة 25 يناير. لكن عملية الدمج بين العام والخاص لم تكن علي الدرجة الكافية. وإن تميزت الرواية بكم المعلومات الهائل دون أن يشعر القارئ بأنها بعيدة عن السياق أو فنية التناول. نوارة الإسكندرية أما الشاعر أحمد محمد مبارك. فهو يتحدث عن رواية "نوارة الإسكندرية" للروائي الكبير حسني محمد بدوي. وهو من الكتاب السكندريين المهمين. لكنه مثل المبدع الجميل محمد حافظ رجب. غير اجتماعي. ويؤثر العزلة. الرواية تتماس مع رواية محمد جبريل "الشاطئ الآخر" من بعض الجوانب. فحسني كان مقيماً في شارع طيبة في الإبراهيمية. وكانت هناك علاقات بالأسر الأجنبية. وبخاصة اليونانيين. وإذا كانت الأسرة اليونانية في رواية جبريل قد رحلت إلي بلادها. فإن الأسرة الأجنبية في رواية نوارة الإسكندرية فضلت البقاء في مدينة السحر. الرواية تبدأ بالتداعيات. والحديث عن الماضي الرومانسي. إنها رواية جميلة. وتستحق القراءة. وفي تقدير القاص عبدالناصر العطيفي أن كتاب "براثن الوعي" لفتحي عبدالغني من أهمها الكتب التي عرضت للحياة السياسية في مصر منذ ثورة 1919 حتي 25 يناير 2011. وهو ينتصر للتعددية والليبرالية. ويفند ويحلل بموضوعية وتجرد آراء الساسة والمفكرين الغربيين. ويركز الناقد السينمائي وليد سيف علي الروايات المترجمة التي يحرص علي متابعتها. يشير إلي روايتين هما "قلب ناصع البياض" لخبير ماريس. "قبلات سينمائية" لديرك فانترو. وقد صدرتا عن سلسلة الجوائز بهيئة الكتاب. وثمة كتابات عربية راقته قراءتها مثل "ليلة سقوط غرناطة" لمحفوظ عبدالرحمن. "أن تحبك جيهان" لمكاوي سعيد. ويعبر الفنان الدكتور سامي رافع عن اعتزازه برسالة دكتوراه قدمت عنه للدكتورة مها فاروق عبدالرحمن بعنوان "سامي رافع والفن الجماهيري". طلب الفنان عز الدين نجيب أن يصدر في سلسلة الفن التشكيلي التي يتولي رئاسة تحريرها. وقد قرأت الكتاب كأنني قرأته للمرة الأولي.