أوافق أستاذنا زكي نجيب محمود أن مشكلة الحرية السياسية هي علي رأس مشكلاتنا المعاصرة. وقد نشأت أساسا بسبب الفجوة الفسيحة العميقة التي تباعد بين أنظمة الحكم في العصر الحديث. أذكر أن أكثر من سبعين مفكراً عربياً شاركوا في مؤتمر لمناقشة أزمة الديمقراطية في الوطن العربي. اختلف المشاركون كعادة المثقفين العرب في الكثير من قضايا المؤتمر. لكنهم أجمعوا علي أن الحرية السياسية هي الهم العربي الأول. وأنها البداية الحقيقية لحل مشكلات المجتمع العربي. الحرية السياسية بالتعبير العلمي هي حق المواطنين في المساهمة في حكم الدولة. وكذلك حقهم في أن يكونوا حكاما.. وهي حكم الشعب لنفسه بنفسه. هو الذي يختار الحاكم. فإن رضي عنه أبقي عليه. وإن سخط علي تصرفاته عمل علي إزالته. والاسلوب في كل الأحوال يعتمد الديمقراطية. فلا مواجهات حادة من أي نوع. لا تمرد ولا اعتقال ولا مصادرة. إنما الرأي الحر. رأي غالبية المواطنين. هو الذي يقرر ما ينبغي. وما لا ينبغي. قبوله. والاختيار بالطبع لا يقتصر علي الحاكم. الرأس. وحده. لكنه يختار قيادات تنوب عنه في مجالات الحكم المختلفة. بدءا بالتشريع وانتهاء بالإرادة. والواقع أن الحرية الفردية لا تنفصل عن الحرية السياسية. والعكس صحيح. وفقدان الحرية السياسية يتزامن بالضرورة مع ضياع الحقوق المدنية. والحريات الأساسية. للجماعات والأفراد. وضياع العدل الاجتماعي. منذ زمان بعيد. ربما في أوائل الستينيات. كنت أناقش السياسي اليمني رشيد الحريري في بعض القضايا العربية. وتطرق النقاش إلي ظاهرة الانقلابات التي عاشها العالم العربي منذ انقلاب حسني الزعيم في سوريا. ثم تكشف ممارسات قادة كل انقلاب عن الحاجة إلي تغيير. وقال لي رشيد الحريري: أخشي لو أنه استمرت هذه الظاهرة. فسيرفض الناس البيان رقم واحد. حتي لو كان صاحبه معنياً بمشكلات الناس. وبالتغيير. مرت الأعوام. ثم تذكرت في توالي الأحداث علي عالمنا العربي مقولة السياسي اليمني. توالت القيادات. انتظر الناس قدوم من يغير واقع الديكتاتورية الذي يرسفون في أغلاله. لكن الممارسات ما تلبث أن تبين عن ملامح شوهاء يتمني الناس زوالها. وربما عملوا علي زوالها بالفعل. إن هدف الثورة هو إقامة شرعية جديدة. تتواصل في ظل الاستقرار الذي يقره الشعب. فإذا لم يكن ذلك كذلك فهو انقلاب. اغتصب السلطة. وحقق استمراره بالعنف والقهر. وليس بالشرعية. والشعب الذي يمارس ضده ذلك الحكم سلطته. يعاني الغربة وعدم الانتماء. وانقطاع الصلة بينه وبين من فرضوا أنفسهم أوصياء عليه.. والأمثلة تطالعنا في العديد من أقطارنا العربية.